-->
جاري تحميل ... BigMag Demo

سكان بني يلمان ينتظرون الدولة الجزائرية الجديدة النظر في ملف قضية مجزرة بني يلمان ..فإلى متى ؟

عبد الله دحدوح

عبد الله دحدوح
سيدي عيسى Booked
+37°C

مرتفع: +37°

منخفض: +26°

الخميس, 23.07.2020

أحدث المقالات

مقالات

أعمدة الرأي

التعليقات

آخر الأخبار

السبت، 6 أكتوبر 2018

شهادة الشيخ تومي لخضر أحد الناجين من مجزرة بني يلمان



شهـــــــــادات [2]

# شهادة الشيخ تومي لخضر..(*)


من مواليد 1919 ابن بني يلمان بالمسيلة...يوم المجزرة كان عمره 38 سنة...الشيخ تومي لخضر 85 سنة(1)، أحد الناجين من الأحداث التي عاشتها مشتة القصبة، ببني يلمان في 28 ماي 1957، يسرد لنا ما رآه وما سمعه وما حدث له في يوم احتوى رغم كبر سنه...تابعوه...
في صبيحة الحادثة (28 ماي 1957) كنت أهم بالذهاب إلى الحصاد، وقبل الخروج من البيت الذي كنا نقطن به المتواجد بـ"البيب"(2) أقبل علينا جمع من الجنود حاصروا البيت، الأمر عادي فقد قدمنا لهم كالعادة الطعام والشراب...
لقد كنا فرحين عند سماعنا أنه سيوجه لنا خطاب من "الكومندو"، ثم أعطوا لنا الأمر بفتح أبواب المنزل "الديار" فهموا بأخذ ما شاءوا مثلما فعلوا بالأغراض المخزنة داخل محلنا "الحانوت"، حين ذاك حملت معي مبلغا ماليا يقدر بـ 7000 دينار(3) بنية تقديمه لهم (للمجاهدين) فقد كنت أتوقع أنهم سيطالبونني بتقديم إعانة مالية..اتجهنا نحو "القصبة" كنت مع أربعة أو خمسة جنود، فجأة حلقت طائرة على انخفاض، افترق الجنود مختبئين ومتسللين لا أدري إلى أين خوفا من "الطيارة الصفراء". أما أنا فقد انطويت على نفسي في زاوية بحقل لمدة قاربت الساعتين من الزمن إلى غاية ابتعاد هدير صوت الطائرة، حينها هممت بالسير لوحدي اتجاه القصبة أعالي بني يلمان لعلي أصل بالخطاب الذي سيليقيه مسؤولو الجبهة "الأفلان"...وصلت المدينة (القصبة) قبل وقت العصر، كان هناك جنود كثيرون من مختلف الأعمار، أدخلونا إلى أحد منازل القصبة، جنود يتراوح عددهم بين 30 أو 40 كانوا داخل الدار وخارجه، طال انتظار الخطاب فالكل ينتظر، أثناء ذلك كان يقف أحد الجنود أمام باب الدار ظل ماكثا أمام المدخل، ومع اقتراب وقت المغرب قام ذلك الحارس الذي يدعى "الخيّر" باستدعائي بصحبة دحدوح عيسى ووجه جندي آخر كلامه قائلا:"أنت من قدم 4000 دينار لجيش بن عيسى (بلونيس) من المصاليين، قالها بقساوة وحقد كبيرين، وأجبته بنعم لقد قدمت هذا المبلغ وأنا مستعد لمنحكم مبلغا ماليا ومساعدتكم، لكنه أعقب كلامه بالتهديد قائلا:"أقتلك". فاجأني كلامه وما كان ردي إلا بأن الموت يكتبها لي ربي وليست بين يديك، حين ذلك ونحن داخل الدار نطق حارس الباب "الخيّر" آمرا بخروج خمسة ممن كانوا بالداخل قائلا، بأن الكومندو يريد التحدث إليكم، لقد كنا أول مجموعة تخرج من ذلك البيت تاركين خلفنا العشرات، ثم توجهنا إلى منزل ميلود بن قويسم على بعد 100 متر عن المنزل الأول(4)، لم يحن وقت المغرب بعد، كنا نسير الواحد تلوى الأخر، متوجهين إلى دار لم يكن بداخلها أحد من سكان بني يلمان، كان أحدهم واقفا أمام المدخل.

لقد رأيت كل شيئ، فاجعة حلت بنا، لقد رأيت صورا بشعة، دم يتطاير وصراخ...فأول الداخلين إلى البيت هو سعيد قويسم، فما إن وضع رجله على عتبة الباب حتى أطلقت عليه رصاصة على مستوى الرأس، سقط والدم ينزف بغزارة، لفظ أنفاسه، تمدد جسده على الأرض، صورته أتذكرها جيدا لقد سقط ارضا رافعا أصبعة للشهادة(5)...رأيت كل شيئ...أدخلوا الثاني يدعى حبارة عمر بن حمزة وقتلوه، ثم عزوز بن يحي فقتلوه وحان دوري..لا يمكن الهروب فالجنود في كل مكان، توجهت مثل الأخرين إلى الباب، لقد وضع أحدهم البندقية في خدي الأيسر مطلقا رصاصته لا أدري ماذا حدث لي وأتذكر أني سقطت على الأرض وبها حفرة صغيرة، بها دم، أصابني دوار وصعب عليّ التنفس مصدرا صوت شخير، في تلك الأثناء لم أتمكن من الحراك بفعل الضربة..لم يذهبوا بعد كانوا واقفين أمامي، سمعت أحدهم يقول:"هذا الحلوف ماماتش جيب الشاقور نحيلو الكرعين". لا أدري ما كان ينوي فعله بسلاحه الأبيض، إلا أنه تراجع بعد أن وجد القيمة المالية 7000 دينار، كنت أخفيتها في حذائي، ليأخذها وينصرف. قبعت في مكاني دون حراك وصوت البارود يدوي خارجا، كان الوقت ليلا...تمر الدقائق واللحضات وأنا على حالي لا أدري ما هذا الهول الذي حلّ بنا...دخلت بعد ذلك إلى داخل البيت بصعوبة، فوضى عارمة، كل شيئ مرمي على الأرض "القش"...حملت قِرْبَة ماء لكني لم أستطع الشرب وإزالة الظمأ، فكلما حاولت إشفاء غليلي كان الماء يخرج من ثقب تحت أذني بعد أن اخترقت الرصاصة فمي مخلفة إصابة أخرى على مستوى الرقبة، لم أفلح في الشرب، عاد إلىّ الدُوَارْ، أصيبت بالارهاق والنعاس لا أدري كم كان الوقت، صمت رهيب وسكون عميق...فصوت أنين كان يطلقه "خضرة بن سعيد" (ابن بني يلمان) من شدة الألم إثر إصابته برصاصة على مستوى البطن، قال لي:"أهرب إن استطعت وإلا سيقتلوننا"، قلت:"خلي نموت، الدُوّارْ كله مات".
حلّ الصباح ودخلت عليّ "زهرة بن نبار"..." أنت لخضر!؟، حملوني، كان معهم "عمي بلقاسم"، وتوجهوا بي إلى الشهبة موضع تمركز الفرنسيين(6)، حيث نقلتنا الدولة (فرنسا) بسيارة إلى مستشفى المسيلة ثم برج بوعريريج(7) ثم إلى العاصمة ومكثت لمدة شهرين. أتذكر ما فعلوه بأبي(8)، لقد قتلوه في حوش سعيد بن رقية قاسي بعد أن رفض الذهاب قائلا:"إذا غادرت المكان (القصبة) يغادره معي أبناء الدوار كلهم"، لقد فقدت معظم أفراد عائلتي في المجزرة، فقدت تومي سعيد (الحاج سعيد)، تومي قويدر، تومي مسعود، تومي محمد، تومي مخلوف، وبن يحي بن جدو، وأتذكر الطائرة الفرنسية التي حلقت في سماء بني يلمان لم تطلق ذخيرتها على الجنود، بل ذهب ضحيتها أبناء بني يلمان "سعاي وضية [ضياء]، وشيشي بن تومي، وعلي بايزيد"(9).
لم يرد(10) لخضر بن تومي إنهاء كلامه قبل أن يخرج ما يختلج بصدره من هموم وتساؤلات واستفسارات لم يجد لها مجيبا، تحدثنا إليه وهو قابع بأحد زوايا الغرفة التي استضافتنا بها السلطات المحلية، كان يتكلم بصوت خافت، فأثار الإصابة لازالت تصاحبه منذ 28 ماي 1957، تجاعيد الوجه تكاد تغطي عينيه الخضراوين، حسد أنهكه تعب السنين، التي صاحب أبناء بني يلمان تحت لعنة الوصف بـ"الحركى"...أخر كلام الشيخ تومي لخضر كان تساؤلا بالقول نريد أن نفهم "علاه متنا"، "واش خدمنا". تساؤل أطلقه ناج من مجزرة 28 ماي 1957، تساؤل ينتظر جوابا واستفسارا...فمن المجيب؟.
----------------------------------------------------
(*) يومية "الجزائر نيوز"، عدد: 149، الاربعاء 07 جويلية 2004، صفحة: 07.
(1) توفي رحمه الله منذ مدة تجاوزت الـ 10 سنوات، وحسب محدثي فإن الرجل لم يقف على القصبة منذ نجاته من تلك الجريمة الشنعاء إلى غاية أن قُبرَ في أطرافها، حيث أوصى أهله بأنه إذا مات يدفن بجواره أباءه وإخوانه وأصدقاءه بالقرب من القصبة الذين تم الغدر بهم يوم 28 ماي 1957.
(2) مشتى "لبّيبْ" أو "الظهرة" على بعد نحو 7 كلم غرب مدينة بني يلمان.
(3) كان التعامل أثناء فترة الإحتلال بالفرنك الفرنسي.
(4) أنظر الصورة أسفله باللون الأحمر.
(5) وهذا ما أكدته زوجته "خديجة بن تريعة" من أنها عثرت على زوجها "قويسم سعيد" جثة هامدة رافعا أصبعه للشهادة.
(6) مشتى الشهبة (الشهباء)، يقع على بعد 3 كلم تقريبا من مشتى القصبة، وهو الذي حلّ به النقيب الفرنسي غامبيط قائد مركز الـ S.A.S بأولاد ثاير، على الساعة 17:30 مساءا، أي قبل وقوع المجزرة بساعتين تقريبا.
(7) بمستشفى برج بوعريريج توفي بعض الناجين على إثر إصابتهم البليغة، وهناك من دفنوا..
(8) والده المناضل في جبهة التحرير الوطني "الحاج سعيد".
(9) سعاي ضيا قتلت على إثر قصف طائرة فرنسية لمشتى تاقوست يوم المجزرة، أما شيشي وأوعيل فهما طفلان سقطا عام 1956 أيضا على إثر قصف الطائرات الفرنسية لمشتى تاقوست عام 1956، وقد دفنهما بعين المكان "سي ناصر" (الحارث بوثريدي) أحد قادة جيش التحرير، وبالنسبة لـ"علي بايزيد" (من عائلة دحدوح) فقد تم إحراق "مطحنته" على يد منفذي الجريمة.
(10) الكلام هنا لناقل الشهادة.





ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

إتصل بنا

نموذج الاتصال

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *