-->
جاري تحميل ... BigMag Demo

سكان بني يلمان ينتظرون الدولة الجزائرية الجديدة النظر في ملف قضية مجزرة بني يلمان ..فإلى متى ؟

عبد الله دحدوح

عبد الله دحدوح
سيدي عيسى Booked
+37°C

مرتفع: +37°

منخفض: +26°

الخميس, 23.07.2020

أحدث المقالات

مقالات

أعمدة الرأي

التعليقات

آخر الأخبار

الاثنين، 8 أكتوبر 2018

شهادة خضرة محمد في المجزرة

★ شهـــــــادات [5]

 شهادة خضرة محمد...






"...سوف يحاسبون على خدعتهم..."(*)
"سوف يحاسبون على خدعتهم..بعثوا فينا الأمان والإطمئنان، قالوا لنا أنه سيوجه لنا خطاب فجمعونا وقتلونا..ماذا فعلنا..أتحداهم أن يثبتوا إن كان أحد من أبناء بني يلمان تعامل مع الفرنسيين قبل تاريخ مجزرة 28 ماي 1957، ماذا فعلنا للجبهة "الولاية الثالثة"؟ ألم نساعدهم، بالمأكل والمشرب، والاشتراك..!"
عبارات الحسرة والتذمر أطلقها الشيخ خضرة محمد، أحد الناجين بأعجوبة من مجزرة بني يلمان بالمسيلة، عمره اليوم 73 سنة(1)، أرهقته السنين، التي حملت معها الهموم والجرح العميق الذي صاحبه طوال حياته، بسبب التهم التي لا أساس لها من الحقيقة.
خضرة محمد، كان يردد في حديثه معنا التساؤل عن سبب مقتل سكان بني يلمان الذين لم يقترفوا أي ذنب، عاد بنا إلى الوراء وتذكر ما حدث، لم يتجاوز عمره أنذاك السادسة والعشرين سنة، يعود بنا إلى تاريخ مشهود بقى راسخا في مخيلته، يحدثنا عما رآه وسمعه، وما يعانيه اليوم جيل ما بعد الاستقلال من سكان بني يلمان المنعوتين بالحركى.
"كنت أقطن بمشتى حميان السفلي(2)، على بعد كيلومترين من مشتى القصبة، وحي حميان، اليوم أحد أحياء بلدية بني يلمان، في ذلك اليوم قام جنود الأفلان التابعين لقيادة الولاية الثالثة بإخراجنا، لقد كنت في البيت حين أقبلوا علينا، خدعونا، لم يفصحوا عن النية التي سيحاسبون عليها بعد مماتهم، بعثوا فينا الأمان والسلم، دعونا لسماع الخطاب..قاموا بتجميعنا بالمدينة أو "القصبة"، عند وصولنا إليها (مكان المجزرة) تم تفريقنا على المنازل، أتذكر أني كنت برفقة 25 شخصا من سكان بني يلمان، كنا بمنزل لخضر بن أحمد المتواجد بين جامع الجمعة (المخصص لصلاة الجمعة) ومسجد الصديق، بعد إدخالنا إلى الدار أمرنا الجنود بنزع كل شيئ ثمين في نظرهم، قاموا بتجريدنا من حفاظات الأوراق، من الساعات و"القشاشيب".

تمر الساعات ويصل وقت الغروب، حين
 ذلك كان جنود الأفلان يخرجون سكان بني يلمان المبعثرين على المنازل ويذبحونهم، لم نستوعب ما يحدث، زاد الصراخ والصياح..في تلك الأثناء ينفذ زكري بن هني(3) من جدران المنزل الذي كنا به متجها نحو الجهة الشمالية للقصبة، فرّ بجلده رغم الرصاصات الموجهة نحوه، ليوجهوا بعد ذلك جميع عضبهم نحو كل من كان بداخل دار لخضر بن أحمد، مطلقين رصاصات قاتلة، نحو 25 شخصا لقوا كلهم حتفه، فالعملية لم تنته بإطلاق الرصاص فقط، بل زاد حقدهم بالتأكد من مقتل الكل، رغم الرصاصات التي نخرت أجسام الأبرياء، يعود ثلاث جنود للتأكد من مقتل الكل، في تلك الثواني، ارتميت أمام جثة بن زيهة عبد القادر بن محمد، تمددت أمامه، تلطخت ثيابي بدمه، يصل الجنود الثلاثة، أحدهم يحمل سلاحا ناريا، وآخر "لامبا" (مصباح يدوي)، يتفقدون جثث الضحايا، يوجه أحدهم كلامه للجندي الآخر "شوف هذاك الخبيث مازال مماتش".. يتقدم إليّ واضعا بندقيته على رأسي طالقا ذخيرته...لم تكتب لي المنية بعد، الرصاصة التي أطلقها الجندي لم تمسسني قط بعد أن اخترقت "عمامة الرأس" لم يهدأ لهم بال، يقبل الآخر واضعا مؤخرة البندفية على مستوى بطني، فيما سلط الجندي الآخر النور على محياي، ضربات موجعة تحديتها..لم أتحرك..لم أصدر أي حراك..بعد أن خيل لهم أني أصبحت في عداد الموتى..يرحل الجنود، وينسحب معهم الصراخ والضجيج، يقتحم القصبة صمت عميق، سكون موحش، تمر الساعات وتشرق شمس 29 ماي 1957 على جثث الضحايا، وتفضح بشاعة العملية، لم ينج أحد من أبناء بني يلمان الذين كانوا بتلك الدار، إلا تويجر الميلود(4) الذي تمدد بجسده المصاب أمام الباب، يظهر ناج آخر لم يكن باستطاعته الحراك بفعل الإصابة البليغة التي نخرت قدمه اليسرى، سكن أحمد دحدوح المعروف بالعيدودي(5) مكانه متأثرا بفعل الإصابة، طلب مني حمله، متجها به إلى "حميان الفوڨاني" (أحد أحياء بني يلمان حاليا)(6).
سأبقى أتذكر هول الفاجعة التي حلت بنا طيلة حياتي، لقد صففونا قعودا على الأرض، موجهين نحونا رصاصات قاتلة، ذهب ضحيتها حوالي 25 شخصا، كانوا يرتدون (أي منفذوا العملية) لباسا عسكريا، تناثروا بين أرجاء أزقة مشتى القصبة..لا أستطيع تحديد عددهم، لكنه فاق الثلاثين جنديا الذين رأيتهم بعيني هاته..
خدعونا..كنا بجانبهم، نساعدهم، الآخرون سخروا أنفسهم من أجل الحق..من أجل الثورة والاستقلال، لكن الجنود المنضويين تحت قيادة الولاية الثالثة هدروا دم أبناء بني يلمان. ما السبب؟ ماذا فعلنا؟!.
لازلت أتذكر قبل بداية المجزرة بساعات قليلة تحليق الطائرات الفرنسية بسماء المنطقة، كانت تطير على مستوى منخفض، لكنها لم تطلق ذخيرتها على الجنود، ما السبب؟! ربما كان وسط الجنود فرنسيين..من يدري..
الأمر الذي يهمنا اليوم هو شباب بني يلمان الذين تطاردهم تهمة شنيعة لفقت بآبائهم، عليهم أن يثبتوا بأن ولو واحدا من أبناء بني يلمان انضم إلى صفوف الجيش الفرنسي قبل المجزرة، فإلى متى تستمر المعاناة والبؤس الذي عكر حياة أبناء مشتى القصبة.

--------------------------------------------------------
(*) يومية "الجزائر نيوز": المرجع السابق. 
(1) عمي محمد لا يزال يأمل أن يفتح الملف وينصف الضحايا، وإيمانه بالله قوي في ذلك..
(2) مشتى حميان، مقسم إلى حميان الفوقاني، وحميان التحتاني، وهو قريب من مدينة بني يلمان..
(3) سننقل شهادته في منشورات لاحقة.
(4) تويجر الميلود كان ممن نقل إلى مستشفى برج بوعريرج، وتوفي هناك...
(5) سننقل شهادته في منشورات لاحقة.
(6) حدثني عمي العيدودي (محمد) ذات يوم أنه لن ينسى فضل خضرة محمد عليه الذي حمله على ظهره من مشتى القصبة إلى حميان الفوقاني مسيرة 2 كلم تقريبا دون توقف..وقال لي:"كان رجلا شجاعا بحق لبى لي طلبي بأن حملني إلى منزل أختي..ولم يتركني لحظة واحدة..بالرغم من أن كلينا مصاب...".




ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

إتصل بنا

نموذج الاتصال

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *