-->
جاري تحميل ... BigMag Demo

سكان بني يلمان ينتظرون الدولة الجزائرية الجديدة النظر في ملف قضية مجزرة بني يلمان ..فإلى متى ؟

عبد الله دحدوح

عبد الله دحدوح
سيدي عيسى Booked
+37°C

مرتفع: +37°

منخفض: +26°

الخميس, 23.07.2020

أحدث المقالات

مقالات

أعمدة الرأي

التعليقات

آخر الأخبار

lundi 5 novembre 2018

المجاهد جودي أتومي - مقال محمد نبّار


★ المجاهد جودي أتومي..عميروش كان بتونس أثناء وقوع مجزرة بني يلمان[1].

بقلم: محمد نبّار

في مستهل مقدمة كتابه "العقيد عميروش بين الأسطورة والتاريخ" قال "أتومي" أنه لا يمكننا الكلام عن "عميروش" دون أن نتناول المجازر التي نسبت إليه ك "الليلة الحمراء" في الصومام، ومؤامرة "الزرق" (لابلويت)، ومجزرة "ملوزة" (بني يلمان)، التي كان وقتها (أي عميروش) متواجدا بتونس. ويتفق معه في رواية تبرئة ساحة "عميروش" من جريمة بني يلمان كل من "حسين بن معلم" صاحب "مذكرات اللواء حسين بن معلم..حرب التحرير الوطنية"، والسكرتير الخاص لقائد الولاية "عميروش" حمو عميروش صاحب كتاب "AKFADOU un an avec le colonel Amirouche" (أكفادو..سنة مع العقيد عميروش). وأضاف "أتومي" أن مجزرتا "لابلويت" و"ملوزة"(بني يلمان) كلفتا الولاية الثالثة ثمنا غاليا، بحيث استغلت أجهزة الإعلام الفرنسية لتشويه صورة الثورة، وفي نفس الوقت صورة القادة بإلقاء التهمة على "عميروش"، وقال مؤكدا أن "هذا الأخير كان غائبا في 'الليلة الحمراء' وكذلك 'بني يلمان'". وذكر في معرض حديثه أن "محمدي السعيد" - وهو عقيد الولاية أنذاك الذي وقعت في فترة قيادته مجزرة بني يلمان - وجّهت له تهمة قضية بني يلمان (المعروفة باسم قضية "ملوزة") التي أساءت لسمعة الثوار". وعن "الليلة الحمراء" التي وقعت عام 1956م، قال أن الناس أحسوا بالذعر والرعب، كونها أول مجزرة جماعية ترتكبها جبهة التحرير في كل الولاية الثالثة، بينما قال عن الثانية "ملوزة" (بني يلمان): "وليس للأسف آخرها، بما أن في العام التالي وقعت مجزرة بني يلمان (المسيلة) يوم 28 ماي 1957 حيث سقط زهاء المائة (100) قتيل". 

والحقيقة التي أثبتتها الكثير من المصادر وأثبتها الواقع هو أن عدد الضحايا الذين سقطوا يوم المجزرة هو ثلاثة أضعاف أو أكثر مما ذكر "أتومي" ها هنا. الجدير بالذكر وفي موضع آخر ضبط هذا الأخير العدد بـ 150 قتيل. وبحسب التقدير الذي اطلع عليه حمو عميروش فإن عدد ضحايا سكان بني يلمان فاق الـ 300 بينهم أطفال ونساء(1).
هذا، وقد أعاب "أتومي" على قائد الولاية الثالثة "محمدي السعيد" عدم تمكنه من منع وقوع مجزرة بني يلمان، فقال أن:"قضية بني يلمان (أو قضية ملوزة) التي أسالت الحبر الكثير، ولطخت سمعة وهيبة الولاية الثالثة والثورة برمتها، أعيب عليه عدم تمكنه من منع وقوع المجزرة، وبالتالي عدم التحكم في الأوضاع، وبالمقابل عدم استغلاله لمجازر ملوزة (أولاد جلال) التي ارتكبها الفرنسيون"، وأوضح أنه "في حين أن الجيش الفرنسي الذي اقترف العشرات إن لم نقل المئات من المجازر، مثل مجزرة ملوزة (أولاد جلال) يوم 2 جوان 1957 حيث سجل 300 ضحية..". وبخلاف ما ذكر - هنا - لم يرد هذا في الندوة الصحفية التي عقتدها جبهة التحرير الوطني بتونس يوم 3 جوان 1957، حيث صرّح مسؤول الأفلان قائلا إن:"ملوزة (بني يلمان) تقع على بعد 4 كلم عن مركز عسكري فرنسي(2)، وأن الدوار تحلق عليه طائرات استطلاع يوميا من 08:00 صباحا إلى منتصف النهار وثلاثين دقيقة (12:30)..وأضاف في نفس السياق المتصل بالموضوع متسائلا:"كيف يمكن لـ 300 رجل من جيش التحرير الوطني الوصول إلى ملوزة (بني يلمان) على الساعة (08:00) والبقاء حتى اليوم الموالي دون إثارة انتباه الجيش الفرنسي المرابط في هذه المنطقة في حالة طوارئ، وهذا رغم إطلاق نيران الأسلحة الأتوماتيكية وتصاعد الدخان في السماء كما وصفته يومية فرانس سوار"(3).
وبخصوص من أعطى الأوامر ومن قام بتنفيذ العملية قال أتومي:"خلال أحداث بني يلمان - ملوزة، كلّف (حمّاي محند السعيد)(4) بتسليم بريد من العقيد "ناصر" للنقيب "أوداك أعراب" الذي نقل هو بدوره أوامره للضابط الأول "عبد القادر الباريكي"، هذا الأخير عُرف لا حقا بتورطه في مجازر بني يلمان"..
(يتبع../..). 

----------------------------------------------------------
(1) لم يكن هناك ضحايا من النساء، سوى إمرأة واحدة "سعاي ضياء" التي سقطت يوم المجزرة 28 ماي 1957 على إثر قصف الطائرات الفرنسية لمشتى "تاڨوست" الذي يبعد عن مشتى القصبة بنحو 1 كلم أو أقل بقليل.
(2) المركز العسكري المذكور هو مركز الـ SAS بأولاد ثاير (برج بوعريريج)، الذي كان يقوده النقيب الفرنسي غامبيط.
(3) يقول إيف كورير في كتابه "حرب الجزائر" أن الطائرات التي حلقت في سماء المنطقة أبلغت النقيب الفرنسي غامبيط بوجود حريق بمشتى القصبة على الساعة العاشرة (10:00) صباحا، وقد اتجه هذا الأخير إلى الدوار الذي وصله على الساعة الخامسة والنصف (17:30) مساءا برفقة مجموعة من جنود على بعد 3 كلم، حيث اسْتُقبل من قبل بعض الرجال والنساء والأطفال، وأبلغوه بما وقع، لكن النقيب المذكور لم يحرك ساكنا، بالرغم من وصوله ساعتين قبل وقوع المجزرة!!!؟
(4) رخصة تكليف "حمّاي محند السعيد" بمهمة إلى تونس لدى لجنة التنسيق والتنفيذ، أمضاها العقيد عميروش، يوم 12 أوت 1958 (أنظر الصورة).
................................................................

★ المجاهد جودي أتومي..أهالي بني يلمان كانوا متواطئين مع المصاليين [2]


كنا قد توقفنا في منشورنا السابق عند المجاهد "حمّاي محند قاسي" الذي تم تكليفه بتسليم بريد من العقيد محمدي السعيد إلى النقيب أعراب قائد المنطقة الثانية، الذي بدوره نقل الأوامر إلى الملازم الباريكي. ففي جزءه الثاني من كتاب "العقيد عميروش أمام مفترق الطرق" قال أتومي:"ونحن في صدد الحديث عن سيرة محمدي السعيد لا بد أن نذكر القضية الثانية التي أثارت الجدل ووضعت المجاهدين ودبلوماسية جبهة التحرير الوطني بالخارج في حرج كبير، ونقصد بها إعدامات بني يلمان". فبعد أن كان يوصّف صاحب الكتاب جريمة "مشتى القصبة" التي وقعت يوم 28 ماي 1957 بـ"المجزرة" راح يستبدل ذلك بـ"الاعدام"، وهذا اللفظ الأخير لا يمكن إطلاقه إلا إذا كان هناك ذنب مرتكب يستوجب عليه العقوبة. فما الذنب الذي ارتكبه أهالي بني يلمان حتى يلقى أزيد من 300 شخص بينهم أطفال ومجانين ومكفوفين ومرضى مقعدين وفلاحين..و.. ذاك المصير؟
ويرجع "أتومي" أسباب الجريمة إلى خضوع بني يلمان سيطرة المصاليين لفترة طويلة، بحيث أصبحت المنطقة معقل "الجنرال بلونيس"، ويضيف أنه:"بعد عدة مناوشات بين مجموعاتنا والعناصر المصالية، خلص المسؤولون المحليين إلى أنه ينبغي حل المشكلة على مستوى الأهالي أنفسهم ودعوتهم لاختيار معسكرهم، لكنه حدث أن بعض المسؤولين المحليين لـ "جبهة التحرير" تم اختطافهم من قبل عناصر من ذلك الدوار، منهم من أعدم ومنهم من سلم لضابط "القطاع الإداري المختص" (SAS). وقد قال أيضا "أصبح سكان بني يلمان متواطئين، برغبة منهم أو رغما عنهم، مع بلونيس وجماعته".
وبالعودة قليلا إلى الوراء، وحتى نكون موضوعيين في طرحنا، بعد إندلاع ثورة الفاتح من نوفمبر 1954م، كانت المجموعات المسلحة التابعة لجيش "الحركة الوطنية الجزائرية" (المصاليين) هي السبّاقة لدخول المنطقة، وذلك شتاء عام 1955. وفي شهر ماي 1956، قامت هذه المجموعات بعمليات بالمنطقة، كتدمير مدرسة فرنسية بقرية "ملوزة" (أولاد جلال - ونوغة حاليا)، وحرق بريد "أولاد عبد الله" (سيدي هجرس) وقطع خط الهاتف به، ونصب كمين لوحدة عسكرية فرنسية بسهل بوخدي (بني يلمان)، حيث كلّفت فيه القوات الفرنسية خسائرية بشرية ومادية معتبرة. أما "محمد بلونيس" فقد انسحب من "بني يعلى" (سطيف) إلى مثلث - بحسب الدكتور يحي بوعزيز رحمه الله - أولاد ثاير، وملوزة (أولاد جلال)، وبني يلمان، على إثر نشوب معركة بينه وبين قوات جيش التحرير الوطني بقيادة الرائد عميروش، وذلك شهر أفريل 1957م. وأثناء تمركزه بالقصبة ظل يتنقل من دوار إلى آخر من أجل جمع الاشتراك وإلقاء الخطب فيهم ك:ملوزة (أولاد جلال) الذي انضوى تحت لواء نحو 30 رجلا، والصمة، وأولاد الضاعن، وبن داود، وبرج أخريص، وأولاد عنان، والخراشيش، وأولاد مسلم، والخرابشة، وأولاد تواتي، والبراردة، وغيرها من المناطق القريبة من القصبة والبعيدة عنها.
وإلى غاية شهر سبتمبر 1956، وهو تاريخ مداهمة القوات الفرنسية للقصبة واعتقالها لبعض رجال بني يلمان (عددهم 12 رجلا)، واقتيادهم للمحاكمة ثم تم سجنهم بتهمة إيواء ومساعدة "الفلاڨة"، وإعدام "محمد بن جديدو" - رحمه الله - بعين المكان بعد أن أجاب بكل شجاعة جلّاده الضابط الفرنسي الذي سأله عن تواجد من أسماهم "فلاڨة"، فقال "كلنا فلاڨة..كل الشعب الجزائري فلاڨة"، لم يكن هناك تواجد لجيش التحرير الوطني الجناح المسلح لجبهة التحرير بالمنطقة. لكن ما إن وطأت قدماه حتى بدأت الاشتباكات والمعارك بينهما (ج.ت.و) و(ح.و.ج)، بحيث وقعت معركتان بالقرب من القصبة وسقط فيها ضحايا من الجانبين وسط ذهول ودهشة الأهالي. والمجاهد "جودي أتومي" يدرك ذلك أتم الإدراك ويعرف جيدا أن المعارك لم تقع على أرض بني يلمان فقط، بل كانت تدار رحاها على عدة نقاط من الولاية الثالثة وفي الكثير من الجبهات، وتحت أنظار الجيش الفرنسي وأجهزة مخابراته، ك: البويرة، وذراع الميزان، وواضية، وصدوق، وڨنزات، والڨرڨور، وبني بوعدوا، وأملولين، وعين بسام، ومنرڨيل، وزمورة، وبرج أخريص، وسور الغزلان، وبني يعلى..إلخ. فلماذا اليوم بعض قادة الولاية الثالثة ومجاهديها يحاولون البحث عن "شعرة معاوية" لتبرير جريمة 28 ماي 1957 إعتمادا على هذه الراوية (الأسطوانة المشروخة)!؟
وبالنسبة لما ذكر من أن الوفد المكلف بالمهمة المنوطة إليه تم اختطافهم من قبل عناصر من ذلك الدوار، وأنهم أعدموا بعضهم وسلموا البعض الأخر لضابط الـ SAS، فأترك الحكم للقارئ الكريم من خلال شهادة المجاهد "عبد الحفيظ أمقران" في مذكراته، حيث قال أن:"سبب وقوع المجزرة مرده إلى أن بعض مواطني بني يلمان المتعاملين سرا مع الخائن بلونيس وشرذمته قاموا باغتيال ثلاث مجاهدين، أحدهم برتبة عريف أول، والثاني محافظ سياسي، والثالث عريف، حينما دخلوا إحدى قرى بني يلمان لتأدية مهامهم الجهادية في التوعية وتعرية بطانة بلونيس..". والثانية للأستاذ أحمد توفيق المدني الذي ذكر في مذكرات "حياة كفاح" أن الوفد الذي دخل بني يلمان لتأدية مهامه تعّرض للسب والشتم والاهانة، قبل أن يخرجوا منها سالمين!!!.
وهنا لا بد من فتح قوس، فبالرغم من أن المجاهدين المشار إليهم في شهادة أتومي وأمقران والمدني، هم: سي ناصر وسي البشير وسي أرزقي الذين استشهدوا على إثر غارة جوية بمنطقة "الصيعان" التابعة لقرية ملوزة (أولاد جلال)، بسبب فعل فاعل وهي وشاية (م.ع) لمركز الـ SAS بأولاد ثاير، وهذا المصدر الوحيد والأوحد والمعروف يدرك جيدا لماذا ربطوا واقعة استشهاد المجاهدين باتهامهم لبني يلمان في كل مرة، وبمركز الـ SAS بأولاد ثاير بقيادة النقيب الفرنسي غامبيط..



















★ المجاهد جودي أتومي..الباريكي هو من اقترح القيام بعملية انتقام ضد بني يلمان [3]

مواصلة منا عما تناوله "أتومي" في كتابه "العقيد عميروش أمام مفترق الطرق"، كنا قد توقفنا بمنشورنا السابق عند قضية استشهاد المجاهدين "سي ناصر" و"سي البشير" ومن معهما، في النصف الأول من شهر فيفري 1957 بمنطقة العشيشات، وبالضبط "الصيعان"، الواقعة غرب ملوزة (أولاد جلال)، على إثر غارة جوية قام بها الطيران الفرنسي بالمنطقة المذكورة سلفا، بعد وشاية من جهة معروفة يشار إليها بالبنان (م.ع). لكننا وأثناء بحثنا وتنقيبنا في روايات هذه العملية وجدنا أنه دوما وأبدا توجه التهمة فيها إلى أهالي بني يلمان بالرغم التناقض الكبير فيها، ودون أن أعيد وأكرر الموضوع الذي تناولناه عدة مرات في مناشيرينا هنا، وبعيدا عن رواية عبد الحفيظ أمقران التي نقلها في مذكراته(1) وأحمد توفيق المدني كتابه(2)، وهو الآخر نقلها عن المصدر نفسه الذي استقى منه أمقران المعلومة بشأنةالعملية. سنكتفي بروايتين أثارت الموضوع، الأولى لمجاهدي قرية ملوزة (أولاد جلال) المنشورة على صفحات جريدة "المساء" عام 1989م (أنظر الصورة)، والثانية للأستاذ محمد عباس في كتابه "فرسان الحرية"، وهذا الأخير أكد في أكثر من مناسبة أنه نقل عن مجاهدي المنطقة (ويقصد ملوزة - أولاد جلال)، وسنقارن الروايتين مع ما نقله "أتومي" هو الآخر. 
وقبل الخوض في هذا أشير إلى أن منطقة "الصيعان"، ومنطقة "تحمامت" تقعان على نقطة تماس بين "ملوزة" (أولاد جلال) و"بني يلمان"، متلاصقتان جغرافيا، بحيث تتبع "الصيعان" قرية العشيشات، بينما "تاحمامت" مشتى يتبع بني يلمان يبعد عن القصبة بنحو 2 كلم تقريبا. 


وبشهادة مجاهدي منطقة ملوزة (أولاد جلال) فإنه يوم 12 فيفري 1957 قام سرب من طائرات العدو بقنبلة العشيشات والصيعان، وهو مركز كان يأوي 10 مجاهدين برتب عسكرية وسياسية سامية، بسبب وشاية قام بها أحد خونة بني يلمان فرّ من الأسر وهو رابع ثلاثة صدر في حقهم حكم بالاعدام بسبب قتلهم لمبعوثي الجبهة(3)..وقد استشهد 12 شخصا. ولئن ذكر مجاهدو ملوزة (أولاد جلال) هذه الرواية، فإن محمد عباس نقل عنهم رواية مخالفة لما ذكر ها هنا، فقد استغلوا الجغرافية وأدلوا بشهادة مغايرة تماما التي وقعت بمنطقة الصيعان، فجعلوا منها معركة وقعت بمشتى تاحمامت بين جيش التحرير الوطني وجيش المصاليين، جاء فيها:"وقوع عدة اشتباكات بين الطرفين بناحية تيحمامين (تاحمامت). هذا التحرش والاحتكاكات الناجمة عنه، أدت إلى مقتل 10 مجاهدين على الأقل حسب شهادة مجاهدي المنطقة". والسؤال ما هي الرواية الأكثر صحة في هذه القضية، وخاصة أنها نقلت من نفس المنبع!!!؟ وللأمانة في هذه القضية التي كانت الصيعان مسرحا لها استشهد 10 أشخاص أو أكثر بقليل، أربعة مجاهدين، وهم: "سي ناصر" (بوثريدي حارث)، و"سي البشير" و"سي أرزقي" ومجاهد آخر. والبقية من المدنيين بينهم أطفال، رحمهم الله. 

أما بالنسبة لما نقله "أتومي" في كتابه فكان كالتالي:"وكان العثور على أربع جثث لمجاهدين، إثنان منهم من الولاية الرابعة في المكان المسمى "تبحرين" [تحمامت]، سببا في شن حملة إنتقامية.."، وأضاف في نفس السياق، قائلا:"أمام تلك الفضائع قرر مسؤولو جيش التحرير للمنطقة الثانية بالتدخل، كان الملازم عبد القادر عزيل "الباريكي"، القائد العسكري للمنطقة، في المداومة على مستوى الناحية الأولى (المسيلة)، استدعي عاجلا إلى تبحرين (تاحمامت)، ولما وصل عاين بمرارة الجثث المتفسخة للضحايا الأبرياء(4)، وهي معروضة للشمس ويدور حولها الذباب، أحس بالصدمة مثل الجميع وهو لا يستطيع أن يتمالك نفسه من الغضب الذي انتابه، فقرر استشارة النقيب أوداك أعراب القائد السياسي - العسكري للمنطقة. رفع إليه تقرير مفصلا عما حدث واقترح القيام بعملية انتقامية ضد دوار بني يلمان وبالأخص ضد سكان "مشتى القصبة". لم ينتظر الجواب طويلا، فبعدما استشار العقيد سي ناصر، أعطى أوداك تعليماته للباريكي". وهنا أيضا أترك القارئ الكريم أن يضع بنفسه مقارنة بين هذه الروايات الثلاث لحادثة استشهاد سي ناصر وسي البشير وسي أرزقي ومن معهم ويستخلص النتيجة التي توصل إليها!!! لكن هذا لا يمنعنا من طرح سؤالين أو ثلاث في غاية الأهمية، وهي:
- الأول: إذا كانت الأوامر التي أعطاها محمدي السعيد كانت بناءا على تقرير الباريكي، فلماذا تملص من مسؤولية ذلك في رسالته إلى وزير المجاهدين عام 1984 التي قال فيها أنه سمع بحادثة بني يلمان إلا عن طريق الصحافة أنذاك؟
- الثاني: ولماذا طلب الملازم الباريكي قرار ليحمي به نفسه قبل تنفيذه للعملية، مع أنه هو من طالب بأن يعاقب أهالي بني يلمان ويقوم بعملية انتقامية ضدهم وعن قناعة منه!؟
- الثالث: إذا كان الباريكي قد استند في طلبه على العملية المنسوبة إلى بني يلمان ووقوفه على الجثث، فلماذا أعد تقريرا مفصلا بعد الجريمة، أرجع فيه سبب المجزرة إلى أنه أثناء خطابه وسط الجموع بمشتى القصبة يوم الحادثة قام شخص بالصراخ في وجهه ومقاطعته قائلا:"نحن مصاليون..ونموت على مصالي" فكانت الواقعة!!؟ 
-------------------------------------------------------------------
(1) مذكرات من مسيرة النضال والجهاد، دار الأمة للطباعة والنشر والتوزيع، الجزائر، 2010، ص: 145.
(2) حياة كفاح مع ركب الثورة التحريرية، ج:3، الشركة الوطنية للنشر والتوزيع، الجزائر، 1982، ص: 306.
(3) يذكر أحمد توفيق المدني أن مندوبي الجبهة خرجوا أحياء بعدما تعرّضوا للسب والشتم. بينما عبد الحفيظ أمقران أكد أنهم قتلوا على يد متعاونين من بني يلمان مع بلونيس. أما أتومي فيذكر أن بعضهم قتل وبعضهم الآخر تم تسليمهم لمركز الـ SAS..
(4) حسبما حدثني به بعض كبار السن من مشتى تاحمامت فإن الجثث كانت قد وضعت بالصيعان. يقول (ب.ح) أنه وقف على الضحايا الذين كان بينهم مدنيون مساء ذلك اليوم الذي استشهدوا فيه..
....................................................................

★المجاهد جودي أتومي ..العملية لم يسقط فيها ضحايا من النساء والأطفال وكبار السن[4]

يقول "أتومي" إن "النقيب أعراب قائد المنطقة الثانية أُبلغ من قِبَل العقيد "سي ناصر" بأن يقوموا بتسوية المشكل بأي وسيلة، وفعلا هذا ما قام به عبد القادر الباريكي مع ست (06) فصائل من عناصر جيش التحرير، إذ تمّ إعدام مائة وخمسين (150) مدني". إلا أنه وبحسب شهادة "عبد الحفيظ أمقران" التي أوردها في مذكراته فإن العقيد "سي ناصر" أعطى أوامره لقائد المنطقة الثانية أعراب بإلقاء القبض - على من أسماءهم - بالخونة الغادرين مهما كان الثمن، وتقديمهم إلى محكمة الثورة طبقا لقرارات مؤتمر الصومام، فاستدعى النقيب أعراب بدوره قائد الكتيبة الضابط عبد القادر الباريكي وأمره بالتوجه إلى عرش بني يلمان للبحث والقبض (ضع - هنا - سطرا تحت المصطلحين: البحث والقبض) على الغادرين. أي أن إعطاء الأوامر بالإبادة الجماعية (ذبحا بالسكاكين وقتلا بالرصاص) أو ما يحبذ أن يطلق عليه مجاهدو الولاية الثالثة بـ "الاعدامات" لم تكن واردة تماما وعلى الإطلاق، هذا إذا سلمنا معهم جدلا أن أهالي بني يلمان في تواطؤ مع "المصاليين" أو قل "قطاع الـ SAS" بأولاد ثاير بقيادة النقيب الفرنسي غامبيط كما يدعي أتومي. ودونما تناول الطريقة التي تمت بها عملية الإبادة الجماعية التي تعرّض لها أهالي بني يلمان باسم "الجهاد" و"الدين" أطرح السؤال التالي على "جودي أتومي" وغيره ممن يروّج لهذه الادعاءات الكاذبة الباطلة التي أساس لها من الصحة، هل كان بإمكان أهالي بني يلمان أن يسلموا أنفسهم بكل هذه السهولة لتنحر رقابهم وينكل بجثثهم وهم المتعاونون مع المصاليين والذين من المفترض أن يكونوا مسلحين، أو في صفوف "الحركى" بمركز الـSAS في أولاد ثاير!!؟ من المؤكد أن القائل بذلك ما هو إلا فاقد لعقله. ثم إذا كان أهالي بني يلمان مع المصاليين أو "حركى" فلا بد من حملهم للسلاح وهنا لزم أن تقع معركة بين الطرفين ويسقط الضحايا من الجانبين، وغالبا ما يكون المهاجم (جيش التحرير الوطني) أكثر تضررا ممن هو متحصن بمكان تحرسه وتؤمن حمايته الجغرافيا!!؟ مع العلم أن هذا الأخير (أي جيش التحرير) كان قد استعمل تسعة (09) فصائل كما ذكر المجاهد "بقة عبد الرحمان"، وهو أحد الحضور بمركز العشيشات، والذي نقل "جودي أتومي" شهادته في كتابه، غير أننا وجدنا "أتومي" يؤكد على ستة (06) فصائل لا أكثر!!! وهذا ليس بغريب فقد ذكر أن عدد الضحايا الذين سقطوا يومها هو مائة (100) ثم تراجع عن ذلك وقال أن عددهم مائة وخمسين (150) مدنيا (ولم يقل مسلحا) كلهم أصحاء وليس بينهم نساء وأطفال وعجزة، وهذا ما يرد عنه شهادته في الموضوع، كون الضحايا كانوا أناسا عزلا استجابوا لنداء الواجب الثوري دون أدنى مقاومة تذكر عندما طلب منهم التوجه إلى مشتى القصبة لحضور اجتماع سيلقي فيه مسؤول بالجبهة خطابا عن الثورة.
وتحت عنوان "اعدامات بني يلمان على أيدي جيش التحرير" واصل "أتومي إعطاءنا وسرد مبررات أقل ما يقال عنها أن واهية، حيث أكد أن:"هذه الاعدامات لها علاقة بالمصاليين الذين استقروا في بني يلمان وفرضوا سيطرتهم على سكانها الذين تحولوا، تحت الاكراه أو ربما بصفة إرادية إلى أتباع لهم"، ويضيف أن الجنرال "بلونيس" أقام فيها مقر قيادته العامة ومن هناك كان يجري اتصالاته مع ضابط القطاع الاداري الفرنسي (SAS) كامبيط، والقبطان "بينو" من الاستخبارات. ويرجح أن بأوامر من هذا الجنرال المزعوم تمت ملاحقة المجاهدين الذين يمرون من هذا الدوار فرادى والغدر بهم وتسليمهم لمكتب القطاع أو المصاليين". و"ردا على هذه الغارات المتكررة، قرر مسؤولو المنطقة الثانية إعدام عشرات الأشخاص الأصحاء، من غير النساء والأطفال والعجزة".
لا ينكر إلا جاحد أن مركز الـSAS المذكور الموجود بأولاد ثاير بقيادة النقيب الفرنسي غامبيط كان يعج بالـحركى والعملاء من عدّة مناطق وقرى، ولم يكن هناك رجال مسلحون فيه من بني يلمان. وكان النقيب غامبيط المعروف بعملياته البسيكولوجية قد راود أعيان بني يلمان بأن يسلح شباب القرية ويشيد مركزا بها، وهو ما رفضه الأعيان جملة وتفصيلا مما اغضب النقيب الذي سيربط اتصالات بمعية معاونه "لوسيان بيانفي"(Lucien Bienfait) ويتفقا مع "بلونيس" على إبرام اتفاق يوم 31 ماي 1957 بالقصبة، وقد عمل النقيب على التخطيط لعملية جهنمية مخابراتية مع ضباط المكتب الخامس. في يوم المجزرة حلقت طائرات العدو في سماء المنطقة وقامت بقصف مشتى "تاڨوست"، على إثر ذلك سقطت "سعاي ضياء" ذات الـ 30 سنة قتيلة، وفي مساء ذلك اليوم على الساعة الخامسة والنصف عندما كان أهالي بني يلمان محتجزين بالقصبة حلّ النقيب بمشتى الشهباء الذي يبعد عن مسرح الجريمة بنحو 3 كلم دون أن يحرك ساكنا برغم صيحات الاستغاثة التي ناشده بها بعض الرجال المتخلفين والنساء وسط بكاء الأطفال. وقعت الجريمة تحت حراسة وأنظار الطائرات الفرنسية وقواتها البرية بقيادة النقيب غامبيط، حيث ذبح فيها الطفلان (ديقش الصغير بن محمد 12 سنة) و(لجدل بن سعيد بن لخضر 12 سنة) و(ديقش مخلوف 15 سنة، وكريكب بن جدو 15 سنة)، والمجنون "عومار عيسى"، والمكفوف "معيوف التيلو" و"مشري الضيف" (على فراش الموت)، فضلا عن جموع الطاعنين في السن (تجاوز سنهم 70 سنة) والفلاحين ومناضلي جبهة التحرير الوطني والضيوف الأجانب..إلخ.
وبعد هذه الجريمة التي غطت أحداثها الصحافة العالمية اجتمع "بلونيس" بالنقيب "غامبيط" الذي كان برفقة "بينو" مبعوث الجنرال "صالان"، ثم أعقب ذلك لقاء آخر يوم 3 جوان 1957 بـ" البراردة (سيدي عيسى - المسيلة)، ليعود النقيب "بينو" يوم 7 جوان بمقترحات وافق عليها "بلونيس". وفي هذا الصدد يقول المؤرخ محمد العربي الزبيري في كتابه "قراءة في كتاب عبد الناصر وثورة الجزائر" أن فرنسا عرفت كيف توظف الصراع لصالحها فاختار الجنرال "صالان" الاتصال بالجنرال بلونيس وعرضت عليه اتفاقا أبرم يوم 31 ماي 1957 بعدما وقع التمهيد له بمجازر "ملوزة" (بني يلمان)..

(يتبع../..)




















لتحميل المقال كاملا 





Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire

إتصل بنا

Formulaire de contact

Nom

E-mail *

Message *