ملاحظة : هذا موضوع نخبوي ، أكتبه بكل مسؤولية وتجرّد .. وهو لا يصلح لثلاثة أصناف من الناس ( الطبال والراقصة والذي هو في حكم كبش )..
محمد جربوعة
أكبر درس تعلمناه خلال الأشهر الأربعة الأخيرة ،هو أنّ التيار الفرنكوبربريستي ، تيار متماسك ، مؤطَّر ، منظّم ، واضح الهدف والرؤية ..
وأهمّ شيء فيه هو أنّه يحافظ على نفسه وموقفه وأطره في كل حالاته ، حتى حين يفقد السلطة ، ويتحوّل إلى الظلّ.. وقد رأينا عناده في مواجهة مؤسسة الجيش وسلطة ما بعد سقوط بوتفليقة وسقوط رموزه..
طبعا ، التيار الأصيل الذي نطلق عليه النوفمبري الباديسي ، أو العقبي ، غير هذا جملة وتفصيلا .. فهو فوضوي ، غير منظّم ، لا تأطير له ولا سراة .. وقد كان طوال ستين سنة في حكم (العدم) .. ولعله انتعش طوال الأسابيع الماضية حين أحسّ بأن السلطة الجديدة ، أو مؤسسة الجيش على الأقل ، قريبة منه ، ومتماهية معه ..
غير أن السؤال الكبير هو :
ماذا لو أنّ معطيات استجدت في الأيام القادمة ، وهبت رياح بما لا تشتهي سفينة هذا التيار النوفمبري الباديسي ؟
هل يستطيع أن يكون قوة تحافظ على فكرتها وهدفها وتماسكها ووجودها ؟
الحقيقة ، أنّ هذا مستبعد جدا ، لأنّ هذا التيار لم يستطع تنظيم نفسه ولا الخروج من فوضاه ، حتى وهو يشعر بتماهي خطه مع خط السلطة .. وطوال أشهر لم يستطع إفراز واجهة سياسية ، تجعله كيانا قائمة بذاته ، لا مجرد صدى للجيش ..
فَشَلُ هذا التيار في تأطير نفسه ، وسعيُ أطرافٍ في السلطة إلى بقائه دون تأطير ، لاستعماله كمجموع لأغراض معيّنة ، يجعلنا متأكدين من أن هذا التيار لم يتحوّل بعد إلى (لاعب سياسي) قائم بذاته ، بعد أن عاش عقودا مجرد تابع للسلطة وأحزابها ، تستعمله كيفما شاءت في انتخاباتها ومشاريعها ..
اليوم ، لا بد أن يكون لنا من الصراحة والجرأة ، ما يمكننا من القول أنّ أول ما يجب أن يفعله هذا التيار إن أراد أن يكون له شأن وموقع في اللعبة مستقبلا ، هو أن يتحرر من أن يكون (مستتبعا) لغيره .. ومستقلا بموقفه وقياداته وواجهته وقراراته .. ليكون رقما تتعامل معه كل القوى باحترام .
إن مؤسسة الجيش نفسها ، تدرك اليوم أنّ خصومها السياسيين والفكريين ، من الذين تسميهم (عملاء) ، أقوى وأكثر نفوذا من هذا التيار الذي يواليها بتوقيع على بياض ، بينما هو لا يملك غير التصفيق ، بينما الخصم يملك وسائل المناورة السياسية في الميدان .. ولعل هذا ما جعل قائد الأركان يتساءل يوما : ( أين النخب ؟ أين الشخصيات؟) ..
أليس من العيب أننا بعد ستين سنة من الاستقلال ، لا نكاد نجد خمس شخصيات وطنية ، محل توافق وإجماع بين الجزائريين ؟
لا يوجد اليوم في الواقع كيان أصالي يحقق (توازن القوى) في مواجهة التيار الفرنكوبربريستي بكل قواه وتنظيماته وأحزابه ومواقفه.. هنا سيقول البعض : إن المؤسسة العسكرية هي المطلوب منها أن تحقق هذا التوازن ...
والجواب : أن هذا خطأ كبير .. لأن السلطة عادة مهمتها إدارة التوازن بين الفرقاء ، لا أن تكون هي جزءا من التوازن ..
لقد كان السادات يحكم مصر بلعبة التوازنات .. فإذا أحس بتقوي نفوذ الإخوان المسلمين ، أخرج الشيوعيين من السجون ، وإذا أحس بتغوّل الشيوعيين ، أطلق يد الإخوان ..وهكذا ..
اليوم ، توجد كفة ممتلئة بالفرنكوبربريست ، وكفة أخرى فارغة ..
والأخطر في هذا الموضوع هو : هل عند السلطة فعلا نية في السماح للتيار الباديسي النوفمبري بأن يكون شقّا في المعادلة ، وأن يملأ كفة التوازن السياسي في البلاد ؟
طيلة أربعة أشهر ، لم أستطع الإمساك بإشارة واحدة ، تدل على أن السلطة ترغب في ظهور قطب أصالي في مواجهة قطب الفرنكوبربريست ، الذي بقي وفيا لخطه حتى بعد أن فقدَ بعض مواقعه ( وليس كلها) .. ولعل من مظاهر ذلك ، أن السلطة اليوم ، لم تسمح حتى بظهور أحزاب وكيانات جديدة ، غير تلك التقليدية التي خرجت من مختبرات الدولة العميقة وبرضاها ..
طبعا ، هذا الأمر يعدّ ملمحا خطيرا ، يفيد أن لا شيء قد تغيّر.. وأن المرحلة القادمة سيتم تأثيثها بالأحزاب التقليدية ..
لذلك تظهر اليوم ثنائية خطيرة وهي ( مدنية - عسكرية) والسيء في الأمر أن المدنية استأثر بها الفرنكوبربريست ، بينما العسكرية بقيت صفة لتيار كامل لم يوجد له قيادة مدنية .. وهذه الثنائية لن تكون في صالح التيار النوفمبري سواء كان مدنيا أو عسكريا ، لأنها دوليا ستحشره في زاوية ضيقة .
فهل يستطيع التيار الأصالي اليوم ، أن يستنبت نفسه بعيدا عن ظل السلطة ؟
هل يستطيع أن يكون قطبا قائما بذاته ، لا مجرد مصفق لمؤسسة الجيش ، حتى وإن كان داعما لها في مشروعها ؟
يجب على الجزائريين كلهم ، أن يقتنعوا اليوم ، أن ظهور قطب أصالي مؤطر ، مستقل ، وقائم بذاته ، سيكون إضافة لفائدة البلاد والدولة واستقرارهما .. وأنّ من مصلحة مؤسسة الجيش أن تجد هيكلا قويا ، يتبنى مشروعها مع وجود مسافة بينها وبينه ، لأن ذلك سيحميها ، ويحمي قيادتها مستقبلا ، ويدافع عنها كما يدافع التيار الفرنكوبربريستي اليوم عن قياداته المسجونة وغيرها ..
إن هذا القطب الأصالي ، سيفك عن الجيش الحصار والعزلة ، وسيعفيه من أن يكون المسؤول الوحيد والحاميَ الوحيد والحارس الوحيد لكل القرارات الوطنية المصيرية ..
لا يمكن للجيش أن يبقى قرنا كاملا ، وهو يحرس اللعبة السياسية ، وينظمها ، ويديرها ..
صمام الأمان ، في بناء قوى سياسية ، تحمي الوطن ، وتحمي الجيش نفسه ، بدل أن يحميها .. لأنّ ممارسة الجيش للسياسة مباشرة عملية خطيرة ، يرفضها المجتمع الدولي ، كما ترفضها أدبيات الديمقراطية في عالم اليوم ..
في غياب التيار الأصالي القطب المنظّم ، يبقى مصير الوطن دُولة بين القوى والشخصيات التقليدية ، التي كانت سببا في خراب البلد عقودا .
ولم يكن خيار الحوار أبدا خيارا موفقا ، لأنه سيكشف حاجة الدولة إلى أحزاب وشخصيات يفترض تجاوزها ...
كان يمكن ، تشجيع الساحة على إفراز كيانات وأحزاب جديدة ، في واقع إدانة وطنية لكل أحزاب الديكور البوتفليقي ، وبذلك ، ينطلق الشعب عبر أحزابه وكياناته الجديدة نحو (الانتخابات) التي تشارك فيها هذه القوى الحية ، لا الحوار الذي تشارك فيه القوى التي ارتبطت تاريخيا بالفساد والتزوير ..
كان يمكن لجيش أن يستند إلى (الحراك) و(المطلب الشعبي) ليحجر على كل القوى والأحزاب التي شاركت في تدمير العمل السياسي في البلاد ..وأن يفتح الباب (بوعي ويقظة) لظهور قوى حية جديدة ، تحقق تحديَ اختيار رئيس جديد ، وتحرس الخيارات السياسية والثقافية للعهد الجديد..
العودة إلى (القديم) بتلميعه وتأهيله ، سيعيد الأمر إلى المربع الأول ، ويُشعر الناس أنّ ما حدث لم يكن سوى ( صراع أجنحة) .. وأنّ الذين سيكونون في الواجهة السياسية والإعلامية والثقافية غدا ، ليسوا هم الأغلبية الشعبية المسحوقة ، بل هم فقط ( أعداء السعيد وتوفيق) .. حتى وإن كانوا من قبل جزءا من الفساد ..
وإن الخطر هنا يكمن ، في كون معالجة المرض الداخلي المستفحل بمسكنات ظرفية ، ستبقي الوطن على كفّ عفريت ، يتربص فيه قوم بقوم لينتقموا منهم ، مهما طال الزمن ..
وعلى تعبير تلك المغنية اللبنانية التي قالت يوما أثناء الحرب الأهلية اللبنانية ( لو كان خنصري مسلما لقطعته) ، فإن (الثورة تولد من رحم الأحزان) .. وبإمكان مشروع يستند إلى الأغلبية الشعبية ، بكل رصيد حزنها وإحساسها بالقهر والتمييز ، وبكل طاقاتها ، وبكل حبها للوطن وأملها بغد أجمل ، أن يصنع المعجزات ..
المشروع الذي تصنعه نخبة بينما الشعب يتفرج من بعيد ، لن يعمّر طويلا ..
وأظن أننا اليوم ، نملك كل مقومات بناء دولة قوية ومتماسكة ، تدوم قرونا .. وهي فرصة لا تتكرر كثيرا ..
في الأخير لن يبقى غير الماء .. أما الزبد فسيتلاشى مهما كان خلابا .. وعلى مر التاريخ كانت الأوطان لا تبنى بغير الفكر المتجرد الثمين .. أما سقطُ المتاع ، فلا يبني عشّ خمّ دجاج ، فضلا عن وطن .. لذلك سيسقط الكثير من المهرجين مهما كان صفهم ،وسيتحولون إلى أضحوكة ، لأن الأمور العظيمة الجادة ، تأبى التهريج ..
-----------------------------
ج.محمد
محمد جربوعة
أكبر درس تعلمناه خلال الأشهر الأربعة الأخيرة ،هو أنّ التيار الفرنكوبربريستي ، تيار متماسك ، مؤطَّر ، منظّم ، واضح الهدف والرؤية ..
وأهمّ شيء فيه هو أنّه يحافظ على نفسه وموقفه وأطره في كل حالاته ، حتى حين يفقد السلطة ، ويتحوّل إلى الظلّ.. وقد رأينا عناده في مواجهة مؤسسة الجيش وسلطة ما بعد سقوط بوتفليقة وسقوط رموزه..
طبعا ، التيار الأصيل الذي نطلق عليه النوفمبري الباديسي ، أو العقبي ، غير هذا جملة وتفصيلا .. فهو فوضوي ، غير منظّم ، لا تأطير له ولا سراة .. وقد كان طوال ستين سنة في حكم (العدم) .. ولعله انتعش طوال الأسابيع الماضية حين أحسّ بأن السلطة الجديدة ، أو مؤسسة الجيش على الأقل ، قريبة منه ، ومتماهية معه ..
غير أن السؤال الكبير هو :
ماذا لو أنّ معطيات استجدت في الأيام القادمة ، وهبت رياح بما لا تشتهي سفينة هذا التيار النوفمبري الباديسي ؟
هل يستطيع أن يكون قوة تحافظ على فكرتها وهدفها وتماسكها ووجودها ؟
الحقيقة ، أنّ هذا مستبعد جدا ، لأنّ هذا التيار لم يستطع تنظيم نفسه ولا الخروج من فوضاه ، حتى وهو يشعر بتماهي خطه مع خط السلطة .. وطوال أشهر لم يستطع إفراز واجهة سياسية ، تجعله كيانا قائمة بذاته ، لا مجرد صدى للجيش ..
فَشَلُ هذا التيار في تأطير نفسه ، وسعيُ أطرافٍ في السلطة إلى بقائه دون تأطير ، لاستعماله كمجموع لأغراض معيّنة ، يجعلنا متأكدين من أن هذا التيار لم يتحوّل بعد إلى (لاعب سياسي) قائم بذاته ، بعد أن عاش عقودا مجرد تابع للسلطة وأحزابها ، تستعمله كيفما شاءت في انتخاباتها ومشاريعها ..
اليوم ، لا بد أن يكون لنا من الصراحة والجرأة ، ما يمكننا من القول أنّ أول ما يجب أن يفعله هذا التيار إن أراد أن يكون له شأن وموقع في اللعبة مستقبلا ، هو أن يتحرر من أن يكون (مستتبعا) لغيره .. ومستقلا بموقفه وقياداته وواجهته وقراراته .. ليكون رقما تتعامل معه كل القوى باحترام .
إن مؤسسة الجيش نفسها ، تدرك اليوم أنّ خصومها السياسيين والفكريين ، من الذين تسميهم (عملاء) ، أقوى وأكثر نفوذا من هذا التيار الذي يواليها بتوقيع على بياض ، بينما هو لا يملك غير التصفيق ، بينما الخصم يملك وسائل المناورة السياسية في الميدان .. ولعل هذا ما جعل قائد الأركان يتساءل يوما : ( أين النخب ؟ أين الشخصيات؟) ..
أليس من العيب أننا بعد ستين سنة من الاستقلال ، لا نكاد نجد خمس شخصيات وطنية ، محل توافق وإجماع بين الجزائريين ؟
لا يوجد اليوم في الواقع كيان أصالي يحقق (توازن القوى) في مواجهة التيار الفرنكوبربريستي بكل قواه وتنظيماته وأحزابه ومواقفه.. هنا سيقول البعض : إن المؤسسة العسكرية هي المطلوب منها أن تحقق هذا التوازن ...
والجواب : أن هذا خطأ كبير .. لأن السلطة عادة مهمتها إدارة التوازن بين الفرقاء ، لا أن تكون هي جزءا من التوازن ..
لقد كان السادات يحكم مصر بلعبة التوازنات .. فإذا أحس بتقوي نفوذ الإخوان المسلمين ، أخرج الشيوعيين من السجون ، وإذا أحس بتغوّل الشيوعيين ، أطلق يد الإخوان ..وهكذا ..
اليوم ، توجد كفة ممتلئة بالفرنكوبربريست ، وكفة أخرى فارغة ..
والأخطر في هذا الموضوع هو : هل عند السلطة فعلا نية في السماح للتيار الباديسي النوفمبري بأن يكون شقّا في المعادلة ، وأن يملأ كفة التوازن السياسي في البلاد ؟
طيلة أربعة أشهر ، لم أستطع الإمساك بإشارة واحدة ، تدل على أن السلطة ترغب في ظهور قطب أصالي في مواجهة قطب الفرنكوبربريست ، الذي بقي وفيا لخطه حتى بعد أن فقدَ بعض مواقعه ( وليس كلها) .. ولعل من مظاهر ذلك ، أن السلطة اليوم ، لم تسمح حتى بظهور أحزاب وكيانات جديدة ، غير تلك التقليدية التي خرجت من مختبرات الدولة العميقة وبرضاها ..
طبعا ، هذا الأمر يعدّ ملمحا خطيرا ، يفيد أن لا شيء قد تغيّر.. وأن المرحلة القادمة سيتم تأثيثها بالأحزاب التقليدية ..
لذلك تظهر اليوم ثنائية خطيرة وهي ( مدنية - عسكرية) والسيء في الأمر أن المدنية استأثر بها الفرنكوبربريست ، بينما العسكرية بقيت صفة لتيار كامل لم يوجد له قيادة مدنية .. وهذه الثنائية لن تكون في صالح التيار النوفمبري سواء كان مدنيا أو عسكريا ، لأنها دوليا ستحشره في زاوية ضيقة .
فهل يستطيع التيار الأصالي اليوم ، أن يستنبت نفسه بعيدا عن ظل السلطة ؟
هل يستطيع أن يكون قطبا قائما بذاته ، لا مجرد مصفق لمؤسسة الجيش ، حتى وإن كان داعما لها في مشروعها ؟
يجب على الجزائريين كلهم ، أن يقتنعوا اليوم ، أن ظهور قطب أصالي مؤطر ، مستقل ، وقائم بذاته ، سيكون إضافة لفائدة البلاد والدولة واستقرارهما .. وأنّ من مصلحة مؤسسة الجيش أن تجد هيكلا قويا ، يتبنى مشروعها مع وجود مسافة بينها وبينه ، لأن ذلك سيحميها ، ويحمي قيادتها مستقبلا ، ويدافع عنها كما يدافع التيار الفرنكوبربريستي اليوم عن قياداته المسجونة وغيرها ..
إن هذا القطب الأصالي ، سيفك عن الجيش الحصار والعزلة ، وسيعفيه من أن يكون المسؤول الوحيد والحاميَ الوحيد والحارس الوحيد لكل القرارات الوطنية المصيرية ..
لا يمكن للجيش أن يبقى قرنا كاملا ، وهو يحرس اللعبة السياسية ، وينظمها ، ويديرها ..
صمام الأمان ، في بناء قوى سياسية ، تحمي الوطن ، وتحمي الجيش نفسه ، بدل أن يحميها .. لأنّ ممارسة الجيش للسياسة مباشرة عملية خطيرة ، يرفضها المجتمع الدولي ، كما ترفضها أدبيات الديمقراطية في عالم اليوم ..
في غياب التيار الأصالي القطب المنظّم ، يبقى مصير الوطن دُولة بين القوى والشخصيات التقليدية ، التي كانت سببا في خراب البلد عقودا .
ولم يكن خيار الحوار أبدا خيارا موفقا ، لأنه سيكشف حاجة الدولة إلى أحزاب وشخصيات يفترض تجاوزها ...
كان يمكن ، تشجيع الساحة على إفراز كيانات وأحزاب جديدة ، في واقع إدانة وطنية لكل أحزاب الديكور البوتفليقي ، وبذلك ، ينطلق الشعب عبر أحزابه وكياناته الجديدة نحو (الانتخابات) التي تشارك فيها هذه القوى الحية ، لا الحوار الذي تشارك فيه القوى التي ارتبطت تاريخيا بالفساد والتزوير ..
كان يمكن لجيش أن يستند إلى (الحراك) و(المطلب الشعبي) ليحجر على كل القوى والأحزاب التي شاركت في تدمير العمل السياسي في البلاد ..وأن يفتح الباب (بوعي ويقظة) لظهور قوى حية جديدة ، تحقق تحديَ اختيار رئيس جديد ، وتحرس الخيارات السياسية والثقافية للعهد الجديد..
العودة إلى (القديم) بتلميعه وتأهيله ، سيعيد الأمر إلى المربع الأول ، ويُشعر الناس أنّ ما حدث لم يكن سوى ( صراع أجنحة) .. وأنّ الذين سيكونون في الواجهة السياسية والإعلامية والثقافية غدا ، ليسوا هم الأغلبية الشعبية المسحوقة ، بل هم فقط ( أعداء السعيد وتوفيق) .. حتى وإن كانوا من قبل جزءا من الفساد ..
وإن الخطر هنا يكمن ، في كون معالجة المرض الداخلي المستفحل بمسكنات ظرفية ، ستبقي الوطن على كفّ عفريت ، يتربص فيه قوم بقوم لينتقموا منهم ، مهما طال الزمن ..
وعلى تعبير تلك المغنية اللبنانية التي قالت يوما أثناء الحرب الأهلية اللبنانية ( لو كان خنصري مسلما لقطعته) ، فإن (الثورة تولد من رحم الأحزان) .. وبإمكان مشروع يستند إلى الأغلبية الشعبية ، بكل رصيد حزنها وإحساسها بالقهر والتمييز ، وبكل طاقاتها ، وبكل حبها للوطن وأملها بغد أجمل ، أن يصنع المعجزات ..
المشروع الذي تصنعه نخبة بينما الشعب يتفرج من بعيد ، لن يعمّر طويلا ..
وأظن أننا اليوم ، نملك كل مقومات بناء دولة قوية ومتماسكة ، تدوم قرونا .. وهي فرصة لا تتكرر كثيرا ..
في الأخير لن يبقى غير الماء .. أما الزبد فسيتلاشى مهما كان خلابا .. وعلى مر التاريخ كانت الأوطان لا تبنى بغير الفكر المتجرد الثمين .. أما سقطُ المتاع ، فلا يبني عشّ خمّ دجاج ، فضلا عن وطن .. لذلك سيسقط الكثير من المهرجين مهما كان صفهم ،وسيتحولون إلى أضحوكة ، لأن الأمور العظيمة الجادة ، تأبى التهريج ..
-----------------------------
ج.محمد
No comments:
Post a Comment