(الموجة الثانية) .. من الصراع على (الدستور) إلى الصراع على (القانون)
ما يجب أن ندركه اليوم .. هو أنّ الموجة الثانية، القادمة ، من الصراع، لن تكون كالموجة الأولى ..
لقد كانت (الموجة الأولى) من الصراع الذي أخذ اسم ( الحراك) مبنية على عنصر واحد هو (الدستور) ..وقد انقسم الناس إلى قطبين ( قطب دستوري) و(قطب غير دستوري) ..ودارت المعركة السياسية والإعلامية ومعركة الشارع حول هذا المعنى ..
وكانت السمة العامة المشتركة بين القطبين ، هي : ( السلمية) ..
لذلك يمكن إعطاء عنوان كبير لتلك المرحلة التي بدأت يوم 22 فيفري 2019 .. وهي اليوم تعيش آخر أيامها ..وهو (الصراع الدستوري السلمي) ..
أما (الموجة الثانية) من الصراع ، والتي يتوقع مراقبون أن تبدأ مع الدخول الاجتماعي ، هذا الخريف ، فإنها مبنية على عنوان آخر ، ومعطيات أخرى ...
فلئن كانت الموجة الأولى قد دار فيها الصراع حول الدستور ، فإن الموجة الثانية سيدور فيها الصراع حول ( القانون) .. بين مشروع يعمل على توطيد أركان ( دولة القانون) ، ومشروع آخر يعمل على ( خرق القانون) والخروج عنه ، وإشاعة الفوضى ..
ولئن كانت الموجة الأولى من الصراع ، قد حكمتها ( السلمية) التي رفع شعارها الطرفان المتصارعان .. فإنّ الموجة الثانية سيحكمها (العنف) .. وقد بدأت ملامح ذلك تظهر ..
سيتغيّر جنود الطرف الذي يراهن على الفوضى ، من أشخاص يسيرون في مسيرات ويرفعون لافتات .. إلا أشخاص (ملثمين) في الأغلب ، ينفذون عملية (سطو على مصرف )هنا ، و(اقتحام مستشفى ) هناك .. ويرفعون بدل اللافتات سيوفا أو رشاشات ..
يقوم مشروع الموجة الثانية على ( التخريب) و(الاستنزاف) لإعطاء صورة توحي بغياب الدولة وعدم قدرتها على السيطرة على الوضع ..
لقد استطاع نظام بوتفليقة طيلة عقدين من الزمن ، ( صعلكة المجتمع) ، وصناعة شبكات عنف وجريمة فيه .. فانتشر القتل والمخدرات واستعمال الأسلحة البيضاء وعنف السياقة في الطرق ..
ولأنّ هذه الشبكات تشعر اليوم بأنّ وجودها مهدد ، وأن مصادر تمويلها تضيق ، وأن طرق تهريب الممنوعات إليها تتعرض للقطع .. فإنها إدماجها في مشروع التخريب والفوضى يكون سهلا ، ولا يحتاج إلا لمصادر تمويل كبيرة للإغداق عليها وشراء ذممها .
تحريك شبكات العنف والجريمة هذه ، لإحداث خروقات واسعة وكثيرة ، تعطي انطباعا باللاأمن ، وتجعل المواطن يحن إلى زمن بوتفليقة ، هو الهدف الذي تعمل لتجسيده قوى التخريب ..
إنّ عمليات قطع الماء عن المواطنين ، وحرق الغابات والمؤسسات ، والسطو ، وقطع الطرقات ، والاختطاف ، والقتل ، والإضرابات المفتوحة ، وتمرّد الجامعة ، ودفع المواطنين إلى استعمال العنف ضد مؤسسات الدولة باسم ( المطالبة بالحقوق) ، مثل إغلاق البلديات ومؤسسات المياه ، وغير ذلك .. هو السمة التي ستكون واضحة في الأيام القادمة ..
وبرأيي ، فإنّ هذه الشبكات الخارجة عن القانون من خريجي السجون وغيرهم، سيوعز إليها وستتلقى أوامر بالقيام بعمليات ترهيب واعتداء على ناشطين وشخصيات وعلى عائلاتهم وممتلكاتهم ، في ولايات كثيرة ..
هناك مشروع كبير اليوم ، يتلقى دعما وتمويلا وتغطية إعلامية من دول وجهات خارجية ، وتقوم فيه شراكة وطيدة بين المال الوسخ وكارتيلات المخدرات والممنوعات ومنظمات الجريمة ، ويكمن خطره في (سريته) و(باطنيته) .. والذين سيديرونه بعد هذا ، سيكونون من وجوه غير معروفة في عالم السياسة ..
أسئلة كثيرة ستطرح نفسها في ظل هذه القراءة ، منها :
ماهو واجب (أهل الوعي) في المرحلة القادمة ، في قراهم وأحيائهم ومدنهم ؟ وكيف يحمون خيارهم في مواجهة عصابات إجرامية عنيفة ؟
وهل يستطيع أقطاب التيارات الفكرية والسياسية إصدار فتاوى سياسية واضحة للمرحلة ، توضّح لأتباعهم كيفية التعامل مع كل المستجدات ؟
المرحلة القادمة حرجة .. وسيكون فيها للتيار العقبي الذي يختار صف الوطن والقانون، رؤيته وموقفه .. لذلك ، فهو يعلن منذ الآن ، أنه غير مسؤول عن أي تصرف خارجٍ عن التصوّر والتوجه المحسوم له ..
ولعل أخطر ما قد يرتكبه المرء في هذه المرحلة ، هو أن يخوض معركة ( الموجة الثانية) بعقلية وأدوات ومنطق (الموجة الأولى) ...
-----------------
محمد جربوعة
No comments:
Post a Comment