من مقالات الأستاذ الباحث والمهتم بالتاريخ محمد نبّار اليلماني.
في قلب هذه الجبال التي تتوسط إقليم ونوغة الممتد ما بين جبال
البيبان (أبواب الحديد) وسور الغزلان، أسس "يلمان بن امحمد الادريسي الحسني
الشريف" قصبته المعروفة بـ"قلعة ونوغة" على صخر يصعب الإهتداء
إليها، حيث تبعد 25 فرسخا (150 كلم تقريبا) عن مدينة بجاية بحسب ما أورده الضابط
الفرنسي "شارل فيرو" بمجلة "واد الساحل". ويؤكد الكثير من
النسّابة والمؤرخين كالإمام العشماوي وابن فرحون وعلي بن باي عبدو يونس والورتلاني
والحفناوي وغيرهم أن أصل بني يلمان يرجع إلى مدينة "فاس" بالمغرب
الأقصى، ويذكر "قارة مبروك" في كتابه "تاريخ مدن وقبائل
الجزائر" أن "يلمان كان حاكم فاس، وقد استقر بجبال ونوغة"، وفي
بيان نسب بني يلمان يقول العشماوي مايلي:"فجدهم اسمه يلمان بن امحمد بن
اسماعيل بن علي بن عبد العزيز بن محمد بن سالم بن سليمان بن خليفة بن محمد بن
خليفة بن هاشم بن مزوار [مروان] بن محمد الشمس بن هلال بن عمران بن يحي بن ادريس
الأصغر بن ادريس الأكبر بن عبد الله الكامل بن الحسن المثنى بن الحسن السبط بن
فاطمة بنت رسول الله (صلى الله عليه وسلم)". وجاء في وثيقة تاريخية مخطوطة أن
"يلمان" خلّف بالقصبة ستة من البنين كلهم من "أم" واحدة، وهم:
علي، وسعيد، وبلقاسم، ويخلف، وإسماعيل، وموسى.
- وخّلف "علي" ولدا اسمه "ابراهيم".
- وخلّف "سعيد" ولدا اسمه "محمد"، ومحمد خلّف ولديْنِ هما: "عبد الله "، و"عزوز".
- وخلّف "يخلف" ولدين هما: "داود" و"محمد الأمين".
- وخلّف "موسى" ولدا اسمه "عمران"، وعمران خلّف ولدا اسمه "موسى".
- أما "بلقاسم" الملقب بـ"المزوار" (من الاستوزار) فكان عقيما، وقد ذُكِر اسمه في مخطوط علي بن باي عبدو يونس "عيسى المزوار". وبنفس المخطوط ذكر أن من ابناء يلمان كذلك: الأبيض، والأفطح، وعمر. وذكر العشماوي ولدا آخر لـ"يلمان" هو "عبد العظيم".
وقد تفرع عنهم الكثير عبر ربوع هذا القطر، يقول المترجم العسكري الضابط "أرنوا" بالمجلة الإفريقية أن "بني يلمان أصولهم من فاس، نسبة إلى جدهم الأول "يلمان"، الذي فرّ من المغرب إلى قلعة "حماد" بالقرب من مستغانم أين استقر لبعض الوقت، ويوجد منهم فروع في قبيلة قلعة (Mesbir)!!، وفي بني جناد، وفي فليسة، وفي قلعة ونوغة". ويوجد منهم فروع بـ: بني جعد، وسهل حمزة، ومسيسنا، وبني عيسي، وإلماين، وبني يعلى، وشنيقل بوطالب، وبر أولاد نايل (أولاد عثمان المسعي)، وفي البرجية، وفليتة، وبني مليكش، وأولاد بوشيبة، وعين الحمام، وامجوطن (مجوط)...
عرفت بني يلمان منذ تأسيسها بالاهتمام بطلب العلم وتعليمه بين أبناءهم، وكذلك للوافدين على القصبة، وذلك من خلال "المسجد" (جامع ونوغة الأعظم)، والمدرسة القرآنية (الزاوية الصديقية)، وقد اشتهر منهم الكثير من العلماء. والفقهاء والمحديثين والمفسرين..الذين صنفوا ونسخوا مخطوطات في شتى صنوف العلم..
ولم يقتصر دور "القصبة" (قلعة ونوغة) على ذلك فقط، بل كانت قلعة للجهاد وملجأ كل ثائر، يقول "قارة مبروك" أن بني يلمان "وقفوا أمام الهلاليين ولم يتنازلوا عن أرضهم وحموا قلعة الحماديين لأكثر من 90 عاما". وجاء في الجزء السادس من كتاب "المقدمة" لابن خلدون أن التحالف بين "بني مرين" مع "الدواودة" الهلاليين، جاء نتيجة وصول سلطة "المرينيين" إلى الحضنة، واقتطاع "يوسف أبو تاشفين" (الزياني) ملك تلمسان إلى مشيخة الدواودة بلاد المسيلة وجبال منتنان وجبال ونوغة وجبل عياض (المعاضيد) فأصاروها من أعمالهم، وذلك عام (731ه/1331م). وفي حقيقة الأمر لم تكن هذه الفرقة التي أوكل لها أبو تاشفين المشيخة سوى فرقة "أولاد عبد الحق" التي قطنت قصبة بني يلمان بحسب "شارل فيرو". ويذكر "امحمد بن تريعة" في مخطوطة له سجل فيها أحداث دولة الزيانيين أنه في يوم استرجاع "أبو حمو موسى" لدولته عام (760هـ/ 1359م) ظهر بنو يلمان، حيث قدم شقيقه "أبو جميل" إلى تلمسان في ثلاثة آلاف فارس من أشراف بني لومي [بني يلمان!!] تاركا أمهم "زينب بن الاعبيدي" في ونوغة عند إخوانه ببني يلمان بالقرب من القصبة أين سكنوا بجوارها (خربة سلطانة). ونقل "أبو علي إبراهيم المريني" في مخطوطته "عنوان الأخبار فيما مر على بجاية" الذي شهد على نكبة سقوط بجاية في يد الاحتلال الإسباني عام 1510، أن "العباس بن عبد العزيز" وأخيه "عبد الرحمان" نزحا إلى قلعة ونوغة (القصبة)، وقد وصف "المريني" في فقرة أحد انقلابات الحرب - إن صح التعبير - التي استمرت بعد احتلال بجاية، والتي شنها "أبو بكر" على ابن أخيه "العباس"، حيث سجل "شنّ أبو بكر حملة على قلعة ونوغة للإطاحة بالعباس، لكن صعوبة موقع ذلك الحصن حالت دون ذلك"، وبحسب - المريني - فإن العباس دخل في اتصالات مع الإسبان من أجل الإعتراف به ملكا، حيث كان الوسيط في ذلك هو "أبو محمد عبد الله بن أحمد القاضي الغبريني"، وقد وقع شقيقه "عبد الرحمان" فيما بعد (عام 1511) مع الإسبان الإتفاقية التي نصّت على الاعتراف بـسيادة "العباس" على مملكة بجاية القديمة باستثناء النواحي الساحلية. وواضح أن الاتصالات التي كان يجريها "العباس" مع الطرف الاسباني كانت أثناء تواجده بقصبة بني يلمان.
ويقول "يوسف بنوجيت" عن هذه الأخيرة أن تلك القلعة التي أبت إلا أن تذكر بوفائها للالتزامات، ما جعل الأمير عبد القادر يختارها لمشروع مدّ المقاومة في الشرق الجزائري. حيث أكد ذلك الضابط الفرنسي شارل فيرو بـ"المجلة الافريقية" قائلا "عندما حاول عبد القادر بسط نفوذه على مقاطعة قسنطينة قام بوضع عدته ومرضاه في هذه القلعة التي ما لبثت أن احتلتها فرقة حربية عسكرية". حيث كان ذلك بعد إمضاء معاهدة التافنة يوم 30 ماي 1837، وقد وفد عليه بالقصبة كل من "أحمد المقراني" و"محمد بن عبد السلام المقراني" من أجل الظفر والفوز بمنصب "الخليفة" على مجانة وونوغة. ومن الذين زارو الأمير عبد القادر وهو بمعسكره بالقصبة، الضابط والباحث الفرنسي "أدريان بيربروجر" صاحب كتاب "رحلة إلى معسكر عبد القادر بحمزة وونوغة"، حيث كان مرفوقا بوفد مكوّن من أوربيين وحضر جزائريين ويهود، وأيضا من الذين لحقوا بالأمير بالمكان الجاسوس الفرنسي "ليون روش" صاحب كتاب "32 سنة في رحاب الإسلام". وفي مقال يحمل عنوان "هل كان الأمير عبد القادر حداثيا" للمؤرخ "أبو القاسم سعد الله" قال فيه أن الباحث "أدريان بيربروجر" مؤسس مكتبة الجزائر العمومية زار معسكر الأمير في ونوغة ذات مرة على رأس وفد هام ضمّ ستة أعضاء أخرين، فيهم الدبلوماسي، والفنان، والمحامي، والطبيب، والتاجر، كان ذلك نهاية سنة 1838.
لم يتوقف الحال هاهنا، فقد كانت قصبة بني يلمان معقلا ومعسكرا لثورة 1871 بقيادة "محمد المقراني" في إقليم ونوغة، وفي هذا الصدد يقول الدكتور بيرم كمال أنه في ظل الانقسام الذي طال المناطق الجبيلة لونوغة، حيث انظمت عدّة أعراش إلى أحمد بومزراق (شقيق محمد المقراني) مكوّنة ما عرف بـ"البيضة" مثل: بني يلمان، وأولاد مبارك، وأولاد طريف..وعرفوا أيضا بـ"صف المنافقين" مع المقراني. في النصف الثاني من شهر مارس حوّل بومزراق من جبل موقرنين (قرن القبة والقرن) معسكرا كبيرا للثورة في إقليم ونوغة، وهذا الاختيار لم يكن اعتباطيا، وإنما لسببين اثنين رئيسيين: الأول من الناحية الاستراتيجية، وثانيا من الناحية السوسيولوجية لسكان بني يلمان. وفي شهر أفريل قام الجنرال سيريز حاكم سور الغزلان بتجهيز قواته بصحبة كل من العقيد تروملي، وقورشود، ومعهم آغا البويرة بالزحف على القصبة، وما إن وصل نبأ ذلك لـ"محمد المقراني" ببني عباس اتجه مباشرة إلى بني يلمان أين عقد اجتماعا كبيرا مع زعماء الثورة بالمنطقة، وحاول معهم وضع خطط مع الحاضرين وأساليب لمواجهة قوات الاحتلال الفرنسي بقيادة الجنرال المذكور. ومن بين الشخصيات التي كانت تتردد كثيرا على مشتى القصبة نجد "السعيد بن بوداود" قائد الحضنة، حيث جاء في إحدى المراسلات بعث بها آغا البويرة إلى سيريز مؤرخة يوم 18 ماي يخبره فيها أنه تم مشاهدة السعيد بن بوداود بالقصبة، وفي رسالة ثانية أكد فيها صحة الخبر، حيث قال:"وبعد لقد وصلني كتابكم المؤرخ في 14 ماي وأمرتني لنصصح لك أمر السعيد بن أبي داود وما وقع من مكاتبة بن عبد الله ومقصودهم الهجوم على دايرة فاعلم أن ذلك صحيحا وجاء من جهة قصبة بني يلمان وقدم إلى أبي مزراق وإلى قلعة بني عباس". وفي رسالة بعث بها ڨايد أولاد بليل إلى نفس الحاكم بعد معركة وقعت بين السعيد بن بوداود والصخري بن بوضياف يوم 16 ماي جاء فيها "وبعد فليكون (كذا) في علمكم وأن السعيد بن أبي داود المقراني هجم على بن بوضياف وسعى منه الرحبة (كذا) فقط وأما الأموال فسلم منه فذلك (كذا) تغلب عليه وأخذ منه ما أخذ ورجع إلى القصبة متاع (كذا) بني يلمان". وقبل أن تضع الحرب أوزارها ترك أحمد بومزراق بعض الأموال والأثاث عند أصدقاءه ببني يلمان، حيث أكد الڨايد الحاج بن أحمد كبير أولاد جلال للجنرال سيريز صحة ذلك في رسالة مؤرخة يوم 21 أكتوبر، قال فيها:" نخبرك على ما ترك بومزراق من الرتب (الأثاث) عند عبد الرحمان بن طڨيع (عائلة طكية) عنده رتب وهم ثمانية (كذا)".
وعند اندلاع ثورة التحرير الكبرى عام 1954 سارعت منطقة بني يلمان بيد مدّ المساعدة للمجاهدين من جيش "الحركة الوطنية الجزائرية" الذي كان سبّاقا لدخول القصبة، حيث خاض معركة يوم 22 ماي 1956 ضد وحدة عسكرية فرنسية، كلّفته خسائر بشرية ومادية معتبرة. وجيش جبهة التحرير الوطني التي هي الأخرى اتخذت من مشتى القصبة مقرا لقيادتها حسبما أكدته في جريدة "المجاهد" اللسان الناطق لها. يقول الأستاذ منتصر أوبترون "وفعلا، فإن النقيب الفرنسي غامبيط لم يفلح في ترويض سكان بني يلمان، بعد أن نجح في تنظيم مجموعات مسلحة في المنطقة (دفاع ذاتي) في بني داود وبني هجرس وملوزة. ولأن سكان بني يلمان كانوا مع جيش الحركة الوطنية وجيش الأفلان، فإن الضابط دبر مع مسؤوليه مع المكتب الخامس المؤامرة، مثلما فعل بعده النقيب "ليجي" في الولاية نفسها. ولأن بني يلمان ومشتى القصبة كانتا منطقة استراتيجية استعصت على الجيوش الفرنسية، بعد انفجار ثورة التحرير، وكانت قبلها مشتى القصبة
المحصنة بالصخور مركزا لقيادة بومزراق المقراني". وقبلها اتخذ الأمير عبد القادر منها معسكرا له
- وخّلف "علي" ولدا اسمه "ابراهيم".
- وخلّف "سعيد" ولدا اسمه "محمد"، ومحمد خلّف ولديْنِ هما: "عبد الله "، و"عزوز".
- وخلّف "يخلف" ولدين هما: "داود" و"محمد الأمين".
- وخلّف "موسى" ولدا اسمه "عمران"، وعمران خلّف ولدا اسمه "موسى".
- أما "بلقاسم" الملقب بـ"المزوار" (من الاستوزار) فكان عقيما، وقد ذُكِر اسمه في مخطوط علي بن باي عبدو يونس "عيسى المزوار". وبنفس المخطوط ذكر أن من ابناء يلمان كذلك: الأبيض، والأفطح، وعمر. وذكر العشماوي ولدا آخر لـ"يلمان" هو "عبد العظيم".
وقد تفرع عنهم الكثير عبر ربوع هذا القطر، يقول المترجم العسكري الضابط "أرنوا" بالمجلة الإفريقية أن "بني يلمان أصولهم من فاس، نسبة إلى جدهم الأول "يلمان"، الذي فرّ من المغرب إلى قلعة "حماد" بالقرب من مستغانم أين استقر لبعض الوقت، ويوجد منهم فروع في قبيلة قلعة (Mesbir)!!، وفي بني جناد، وفي فليسة، وفي قلعة ونوغة". ويوجد منهم فروع بـ: بني جعد، وسهل حمزة، ومسيسنا، وبني عيسي، وإلماين، وبني يعلى، وشنيقل بوطالب، وبر أولاد نايل (أولاد عثمان المسعي)، وفي البرجية، وفليتة، وبني مليكش، وأولاد بوشيبة، وعين الحمام، وامجوطن (مجوط)...
عرفت بني يلمان منذ تأسيسها بالاهتمام بطلب العلم وتعليمه بين أبناءهم، وكذلك للوافدين على القصبة، وذلك من خلال "المسجد" (جامع ونوغة الأعظم)، والمدرسة القرآنية (الزاوية الصديقية)، وقد اشتهر منهم الكثير من العلماء. والفقهاء والمحديثين والمفسرين..الذين صنفوا ونسخوا مخطوطات في شتى صنوف العلم..
ولم يقتصر دور "القصبة" (قلعة ونوغة) على ذلك فقط، بل كانت قلعة للجهاد وملجأ كل ثائر، يقول "قارة مبروك" أن بني يلمان "وقفوا أمام الهلاليين ولم يتنازلوا عن أرضهم وحموا قلعة الحماديين لأكثر من 90 عاما". وجاء في الجزء السادس من كتاب "المقدمة" لابن خلدون أن التحالف بين "بني مرين" مع "الدواودة" الهلاليين، جاء نتيجة وصول سلطة "المرينيين" إلى الحضنة، واقتطاع "يوسف أبو تاشفين" (الزياني) ملك تلمسان إلى مشيخة الدواودة بلاد المسيلة وجبال منتنان وجبال ونوغة وجبل عياض (المعاضيد) فأصاروها من أعمالهم، وذلك عام (731ه/1331م). وفي حقيقة الأمر لم تكن هذه الفرقة التي أوكل لها أبو تاشفين المشيخة سوى فرقة "أولاد عبد الحق" التي قطنت قصبة بني يلمان بحسب "شارل فيرو". ويذكر "امحمد بن تريعة" في مخطوطة له سجل فيها أحداث دولة الزيانيين أنه في يوم استرجاع "أبو حمو موسى" لدولته عام (760هـ/ 1359م) ظهر بنو يلمان، حيث قدم شقيقه "أبو جميل" إلى تلمسان في ثلاثة آلاف فارس من أشراف بني لومي [بني يلمان!!] تاركا أمهم "زينب بن الاعبيدي" في ونوغة عند إخوانه ببني يلمان بالقرب من القصبة أين سكنوا بجوارها (خربة سلطانة). ونقل "أبو علي إبراهيم المريني" في مخطوطته "عنوان الأخبار فيما مر على بجاية" الذي شهد على نكبة سقوط بجاية في يد الاحتلال الإسباني عام 1510، أن "العباس بن عبد العزيز" وأخيه "عبد الرحمان" نزحا إلى قلعة ونوغة (القصبة)، وقد وصف "المريني" في فقرة أحد انقلابات الحرب - إن صح التعبير - التي استمرت بعد احتلال بجاية، والتي شنها "أبو بكر" على ابن أخيه "العباس"، حيث سجل "شنّ أبو بكر حملة على قلعة ونوغة للإطاحة بالعباس، لكن صعوبة موقع ذلك الحصن حالت دون ذلك"، وبحسب - المريني - فإن العباس دخل في اتصالات مع الإسبان من أجل الإعتراف به ملكا، حيث كان الوسيط في ذلك هو "أبو محمد عبد الله بن أحمد القاضي الغبريني"، وقد وقع شقيقه "عبد الرحمان" فيما بعد (عام 1511) مع الإسبان الإتفاقية التي نصّت على الاعتراف بـسيادة "العباس" على مملكة بجاية القديمة باستثناء النواحي الساحلية. وواضح أن الاتصالات التي كان يجريها "العباس" مع الطرف الاسباني كانت أثناء تواجده بقصبة بني يلمان.
ويقول "يوسف بنوجيت" عن هذه الأخيرة أن تلك القلعة التي أبت إلا أن تذكر بوفائها للالتزامات، ما جعل الأمير عبد القادر يختارها لمشروع مدّ المقاومة في الشرق الجزائري. حيث أكد ذلك الضابط الفرنسي شارل فيرو بـ"المجلة الافريقية" قائلا "عندما حاول عبد القادر بسط نفوذه على مقاطعة قسنطينة قام بوضع عدته ومرضاه في هذه القلعة التي ما لبثت أن احتلتها فرقة حربية عسكرية". حيث كان ذلك بعد إمضاء معاهدة التافنة يوم 30 ماي 1837، وقد وفد عليه بالقصبة كل من "أحمد المقراني" و"محمد بن عبد السلام المقراني" من أجل الظفر والفوز بمنصب "الخليفة" على مجانة وونوغة. ومن الذين زارو الأمير عبد القادر وهو بمعسكره بالقصبة، الضابط والباحث الفرنسي "أدريان بيربروجر" صاحب كتاب "رحلة إلى معسكر عبد القادر بحمزة وونوغة"، حيث كان مرفوقا بوفد مكوّن من أوربيين وحضر جزائريين ويهود، وأيضا من الذين لحقوا بالأمير بالمكان الجاسوس الفرنسي "ليون روش" صاحب كتاب "32 سنة في رحاب الإسلام". وفي مقال يحمل عنوان "هل كان الأمير عبد القادر حداثيا" للمؤرخ "أبو القاسم سعد الله" قال فيه أن الباحث "أدريان بيربروجر" مؤسس مكتبة الجزائر العمومية زار معسكر الأمير في ونوغة ذات مرة على رأس وفد هام ضمّ ستة أعضاء أخرين، فيهم الدبلوماسي، والفنان، والمحامي، والطبيب، والتاجر، كان ذلك نهاية سنة 1838.
لم يتوقف الحال هاهنا، فقد كانت قصبة بني يلمان معقلا ومعسكرا لثورة 1871 بقيادة "محمد المقراني" في إقليم ونوغة، وفي هذا الصدد يقول الدكتور بيرم كمال أنه في ظل الانقسام الذي طال المناطق الجبيلة لونوغة، حيث انظمت عدّة أعراش إلى أحمد بومزراق (شقيق محمد المقراني) مكوّنة ما عرف بـ"البيضة" مثل: بني يلمان، وأولاد مبارك، وأولاد طريف..وعرفوا أيضا بـ"صف المنافقين" مع المقراني. في النصف الثاني من شهر مارس حوّل بومزراق من جبل موقرنين (قرن القبة والقرن) معسكرا كبيرا للثورة في إقليم ونوغة، وهذا الاختيار لم يكن اعتباطيا، وإنما لسببين اثنين رئيسيين: الأول من الناحية الاستراتيجية، وثانيا من الناحية السوسيولوجية لسكان بني يلمان. وفي شهر أفريل قام الجنرال سيريز حاكم سور الغزلان بتجهيز قواته بصحبة كل من العقيد تروملي، وقورشود، ومعهم آغا البويرة بالزحف على القصبة، وما إن وصل نبأ ذلك لـ"محمد المقراني" ببني عباس اتجه مباشرة إلى بني يلمان أين عقد اجتماعا كبيرا مع زعماء الثورة بالمنطقة، وحاول معهم وضع خطط مع الحاضرين وأساليب لمواجهة قوات الاحتلال الفرنسي بقيادة الجنرال المذكور. ومن بين الشخصيات التي كانت تتردد كثيرا على مشتى القصبة نجد "السعيد بن بوداود" قائد الحضنة، حيث جاء في إحدى المراسلات بعث بها آغا البويرة إلى سيريز مؤرخة يوم 18 ماي يخبره فيها أنه تم مشاهدة السعيد بن بوداود بالقصبة، وفي رسالة ثانية أكد فيها صحة الخبر، حيث قال:"وبعد لقد وصلني كتابكم المؤرخ في 14 ماي وأمرتني لنصصح لك أمر السعيد بن أبي داود وما وقع من مكاتبة بن عبد الله ومقصودهم الهجوم على دايرة فاعلم أن ذلك صحيحا وجاء من جهة قصبة بني يلمان وقدم إلى أبي مزراق وإلى قلعة بني عباس". وفي رسالة بعث بها ڨايد أولاد بليل إلى نفس الحاكم بعد معركة وقعت بين السعيد بن بوداود والصخري بن بوضياف يوم 16 ماي جاء فيها "وبعد فليكون (كذا) في علمكم وأن السعيد بن أبي داود المقراني هجم على بن بوضياف وسعى منه الرحبة (كذا) فقط وأما الأموال فسلم منه فذلك (كذا) تغلب عليه وأخذ منه ما أخذ ورجع إلى القصبة متاع (كذا) بني يلمان". وقبل أن تضع الحرب أوزارها ترك أحمد بومزراق بعض الأموال والأثاث عند أصدقاءه ببني يلمان، حيث أكد الڨايد الحاج بن أحمد كبير أولاد جلال للجنرال سيريز صحة ذلك في رسالة مؤرخة يوم 21 أكتوبر، قال فيها:" نخبرك على ما ترك بومزراق من الرتب (الأثاث) عند عبد الرحمان بن طڨيع (عائلة طكية) عنده رتب وهم ثمانية (كذا)".
وعند اندلاع ثورة التحرير الكبرى عام 1954 سارعت منطقة بني يلمان بيد مدّ المساعدة للمجاهدين من جيش "الحركة الوطنية الجزائرية" الذي كان سبّاقا لدخول القصبة، حيث خاض معركة يوم 22 ماي 1956 ضد وحدة عسكرية فرنسية، كلّفته خسائر بشرية ومادية معتبرة. وجيش جبهة التحرير الوطني التي هي الأخرى اتخذت من مشتى القصبة مقرا لقيادتها حسبما أكدته في جريدة "المجاهد" اللسان الناطق لها. يقول الأستاذ منتصر أوبترون "وفعلا، فإن النقيب الفرنسي غامبيط لم يفلح في ترويض سكان بني يلمان، بعد أن نجح في تنظيم مجموعات مسلحة في المنطقة (دفاع ذاتي) في بني داود وبني هجرس وملوزة. ولأن سكان بني يلمان كانوا مع جيش الحركة الوطنية وجيش الأفلان، فإن الضابط دبر مع مسؤوليه مع المكتب الخامس المؤامرة، مثلما فعل بعده النقيب "ليجي" في الولاية نفسها. ولأن بني يلمان ومشتى القصبة كانتا منطقة استراتيجية استعصت على الجيوش الفرنسية، بعد انفجار ثورة التحرير، وكانت قبلها مشتى القصبة
المحصنة بالصخور مركزا لقيادة بومزراق المقراني". وقبلها اتخذ الأمير عبد القادر منها معسكرا له
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق