مشروعان فقط ..دولة عريقة ..وأخرى عميقة..فاختر ..
ملاحظة : من فَهِمَ هذا المقال ، استطاع فكّ شيفرة المشهد الحالي والمستقبلي بكل تفاصيلها.
محمد جربوعة
لا يمكن أن يفهم الحراك ، مَن ينظر إليه على أنه حركة سطحية ، هدفها إجراء تغييرات بسيطة ، كإزاحة أشخاص معينين ، أو إسقاط العهدة الخامسة ..
الحراك أعمق من كل ذلك وأخطر .. والذين فهموا الحراك على أنه مشروع عميق وجذري ومصيري وخطير ، هم وحدهم من يستطيعون تفسير أحداثه ..
وبعيدا عن التساؤل حول من دعا أوّلا إلى هذا الحراك وخطط له ، يجب أن نفهم أنّه ( أي الحراك) ، يمثل مشروعين تصحيحييْن لجهتين مختلفتين ..
إنه مشروع تصحيحي بكل ما تعنيه الكلمة .. مشروع وجود ومصير .. والغالب من هذين الجهتين ، هو من سيحكم الجزائر لجيل (33 سنة) على الأقل ..
لذلك، فإن الذي يظن أنّ الجهة الغالبة ستحسم الأمر ثم تلقي مقاليد الحكم إلى غيرها وتتراجع ، بعيد كل البعد عن فهم ما يحدث ..
وإذن ، فإن الحراك لم يكن مجرد عملية جراحية سطحية لإزالة أشخاص أو إبطال عهدة رئاسية ، بقدر ما كان صراعا بين جهتين ، يجب أن تنهي إحداهما نفوذ الأخرى ..
وهنا يجب أن نتحدث عن المنظومة ، لأنّ فوز أي جهة من الجهتين في إزاحة الأخرى ، يعني قيام منظومة وسقوط أخرى ..
أما الجهتان المتصارعتان فهما ( الدولة العريقة) و(الدولة العميقة) ..
- أما الدولة العريقة ، فقد ظهرَ منها الجيش فقط في الواجهة ، بينما هي في الحقيقة منظومة ، فيها قيادة الجيش الحالية ، وفيها من مجموع الشعب الكثير من الذي رفع شعار الباديسية أو النوفمبرية أو العقبية .. ومن الناحية التاريخية ، كانت هذه الدولة العريقة الأضعف منذ الاستقلال ، إذ كان الوطنيون من المسؤولين ، يعيشون في الظل ، ويجترون مراراتهم في صمت .. ولم يكن يسمح لهم باتخاذ أي قرار نوفمبري باديسي عقبي .. ومن أمثلة ذلك وزير التربية الأسبق علي بن محمد ... وفي مجال الإعلام كانت هذه الدولة العريقة أيضا الطرف الأضعف .. وقد رأينا أنه لولا (عودة) قناة الشروق إلى صف الجيش ، لما كان لهذه المؤسسة ذراع إعلامي ..
- وأما الدولة العميقة ، فقد كانت هي الحاكم الفعلي للجزائر طيلة ستين سنة ، بكل نفوذها المالي والاستخباراتي والعسكري والإعلامي ، وتنفذها في كل مفاصل السياسة والعسكر والاقتصاد و...
لهذا السبب ، فإنّ مشروع الحراك عند كل جهة ، كان مشروعا استئصاليا للآخر .. يستهدف منظومة كاملة ، لا مجرد أشخاص ..
وحين نقول منظومة ، فإننا نقصد توجهات ثقافية ، وتوجهات إعلامية ، وديكورا حزبيا ، ومؤسسات مالية ، وعلاقات خارجية .. وهو ما يعني أن سقوط الدولة العميقة مثلا ، يعني سقوط فرنسا وثقافة فرنسا ونفوذ فرنسا وسقوط الاستفزاز للإسلام والتقزيم للغة العربية..
بينما يعني سقوط الدولة العريقة ، نهاية الصبغة الباديسية ورجالها من البلاد ..
لذلك استغربت المؤسسة العسكرية ومعها الكثير من الشعب ، الموقف الغريب للتيار الإسلامي السياسي ، باصطفافه مع الدولة العميقة ..وهو ما يجعل مؤسسة الجيش ومنظومة الدولة العريقة ، تنظر إلى هذه الأحزاب والشخصيات الإسلامية على أنها ، جزء من المنظومة التي كانت تعمل على استئصالها بالتعاون مع الدولة العميقة ، وهو ما يعني أن هذه الأحزاب الإسلامية ، ستسقط بسقوط الدولة العميقة ، وستنشأ على أنقاضها أحزاب جديدة في إطار منظومة جديدة يفرضها الغالب ..وهذا منطق الصراع السياسي في الكون منذ أن وُجد ..
وإذن فإن المستهدف لكل جهة هو استئصال المنظومة كاملة . . لذلك نلاحظ ، أنّ الدولة العميقة في استعمالها للحراك ، لم تكن تهتم بسقوط بوتفليقة ، بل بالعكس ، تحوّل السعيد بوتفليقة في لحظة ما إلى حليف لها .. وكذلك أويحيى ..
كانت الدولة العميقة توجّه الحراك إلى استئصال منظومة (الدولة العريقة) .. بشعار ( يتنحاو قاع) .. وكان همها الأكبر هو إسقاط قيادة الجيش ، لأنها تدرك أن بسقوط قيادة الجيش يمكنها أن تبسط يدها على كل شيء ، العسكر والمال والمخابرات والمؤسسات والانتخابات ..
وإلى اليوم ، لا تزال الدولة العميقة تعمل لإسقاط الدولة كلها ، دون أن تستثني من منظومة ( الدولة العريقة) شخصا أو جهة .. وقد طالبت بذهاب قائد الأركان صراحة لا تلميحا ...
لذلك ، فإن الدولة العريقة ، تعتبر اليوم عدوا لها ، كل من شارك في مشروع استئصالها ..وهو ما يعني أنّ كل الذين وقفوا هذا الموقف التاريخي المعادي للدولة العريقة سيدفعون الثمن ، وستصلهم فاتورة الحساب بطريقة أو بأخرى ..
الصراع عسكري بالدرجة الأولى :
الذين يتهمون أنصار الدولة العريقة بأنهم موالون للقايد صالح ، وعبيد لدى المؤسسة العسكرية ، أناس لا يفهمون حقيقة الصراع ، ولا يدركون أنّ أنصار الدولة العميقة أيضا مصطفون خلف (عساكر) و(جنرالات) .. وأن حقيقة الصراع العنيف قائمة على الاصطفاف إما مع ( جنرالات الدم ومجرمي التسعينيات) أو مع ( جنرالات القيادة الحالية للجيش) الذين أخذوا عهدا على أن لا تسيل قطرة دم واحدة .
أما من يظن أن الصراع قائم بين المدنيين من كل جهة ، أو بين مدنيي الدولة العميقة والجيش ، فهو أبعد الناس عن فهم الأمور ..
النواة في كل جهة من الجهتين ، نواة عسكرية ، يصطف حولها المدنيون ..
وحول جنرالات التسعينيات ملايين من المدنيين ، رجال مال وقضاة وإعلاميين ، وطلبة ، وعمال ..
كما أن حول المؤسسة العسكرية ملايين من المدنيين ...
لذلك ، نرى هذه الفوضى واختلاف المواقف والرايات والشعارات واللافتات والمطالب في الحراك ، في ساحة واحدة ..
الانتخابات :
الانتخابات عنصر عملي للدولة العريقة ، لذلك تحاول الدولة العميقة تخريبه وإفشاله .. وهنا يصطف الناس أيضا مع الدولة العريقة بالدفاع عن خيار الانتخابات ، أو مع الدولة العميقة بالعمل على إفشال وتخريب الانتخابات ..
ولا شك أنّ الدولة العريقة اليوم ، تعمل على إرساء صبغة للدولة تدوم ( جيلا) أي 33 سنة على الأقل .. لأسباب عدة ، منها أنه من المستحيل أن تثخن قيادة الجيش الحالية في الدولة العميقة بتفكيكها وإبطال ألغامها وسجن رؤوسها ، ثم لا تلبث أن تتخلى عن زمام الأمور ، ليعود الحكم إلى الدولة العميقة ، فتنتقم شر انتقام ..
وهنا يجب أن نقول إن الأحزاب التي ساندت الدولة العميقة في مشروعها الاستئصالي للدولة العريقة ، تعد منتهية اليوم ، ضمن المنظومة التي ستنتهي ، ولأن هذه الأحزاب تدرك ذلك ، فإنها تحاول التشويش على الانتخابات ..
هناك منظومة جديدة ستحكم البلاد لعقود ، بصبغة جديدة ، وأحزاب جديدة ، ومقاولين جدد ، ومسؤولين جدد لكل المجالات ، الرياضية والمالية والنفطية والزراعية والاستيراد والتصدير ، والتعليم والشؤون الدينية و...
وهذه هي الحقيقة التي لا يريد رموز وديكور الحقبة الماضية فهمها .. لذلك تراهم يمنون أنفسهم بأن يكون لهم مكان في الجزائر الجديدة ..
وحين تعَنْوِن مجلة الجيش مقالا لها بـ ( الجزائر بين أيد أمينة) ، مع إنكاري للخطإ اللغوي وهو ( أيدي) في مجلة ترفع اليوم شعار الدفاع عن الثوابت ومنها اللغة .. فإنّ ذلك يعني أمورا كثيرة ، منها أن أيدي الخصوم ليست أمينة .. ومن المستحيل آنذاك أن تستعيد الأيدي الأمينة الجزائر ، ثم تفرط فيها بعد عام أو خمسة أعوام ، لتسمح برجوعها إلى أيد غير أمينة ..
ولعل هذا ما يعطينا لمحة عن ملامح رئيس الجمهورية القادم ، لكي يتناسب والعهد الجديد ..
ومن أهم ملامحه أن يكون جزء من منظومة الدولة العريقة ، لا الدولة العميقة ..
إذ من المستحيل أنْ تقوم الدولة العريقة بكل هذا العمل الشاق لتطهير الدولة ، ثم تسمح بعد ذلك بمجيء رئيس لا مشكلة له مع فرنسا أو مع الدولة العميقة ..
وإذن فهما مشروعان .. وصفان .. فاختر لنفسك ..
ولعل هذا ما يعطينا لمحة عن ملامح رئيس الجمهورية القادم ، لكي يتناسب والعهد الجديد ..
ومن أهم ملامحه أن يكون جزء من منظومة الدولة العريقة ، لا الدولة العميقة ..
إذ من المستحيل أنْ تقوم الدولة العريقة بكل هذا العمل الشاق لتطهير الدولة ، ثم تسمح بعد ذلك بمجيء رئيس لا مشكلة له مع فرنسا أو مع الدولة العميقة ..
وإذن فهما مشروعان .. وصفان .. فاختر لنفسك ..
شكرا
RépondreSupprimer