الأستاذ عثمان بندو يكتب :
استرجاع نَفَس :
فوجئت فرنسا بجمعية العلماء المسلمين بعد 100 سنة من ( محاولة طمس الدين الإسلامي والهوية الجزائرية ) ثم بالكشافة الإسلامية الجزائرية ، وظنّت بعد اندلاع الحرب العالمية الثانية والتجنيد الإجباري لكثير من شباب الجمعية وعلمائها وموت عبد الحميد بن باديس سنة 1940م وإعدام القائد الكشفي محمد بوراس سنة 1941م أنّها قد قضت على منابع التجديد الديني في الجزائر .
وتصعقها المفاجأة مرة أخرى سنة 1954م باندلاع ثورة إسلامية يصنعها خيرة الشباب المسلم المحافظ الذي تشبّع بقيم الإسلام على يد رجال الجمعية والكشافة وغيرهم من المخلصين في العمل الإصلاحي والسياسي .
وبما أن كل شيء ( عندهم ) مدروس ، فقد لاحظت فرنسا أن العالم قد صاحبته موجة تحررية كبرى ، وأن موازين القوى قد تغيرت بظهور ( الوحش ) الأمريكي ، وأنها إذا استمرت على هذا المنوال الاستعماري فإنها قد تخسر مستعمراتها ومصالحها ، فقررت ( تسليم ) الاستقلال لعديد من الدول تدريجيا مع الحفاظ على مصالحها ، وكانت طريقة التسليم ( بسيطة وسلسة ) نظرا لأن تلك الدول لم تكن مستعمرة بقوة ووحشية ( كالجزائر ) !!
أما الجزائر فشعبها مختلف ، أظهر بطولات وصمودا كبيرين ، وحافظ على دينه ولغته وعاداته رغم الأساليب الوحشية للمستعمر ، وتسليم الاستقلال للجزائر بنفس طريقة المستعمرات القديمة سيكون خطرا على فرنسا بل على الغرب كله ، بالإضافة إلى تغيّر التوازنات العالمية ( قطبان عالميان يحاول كل منهما السيطرة على العالم ) ، وكما ذكرنا موجة التحرر الكبرى في العالم لعديد من الدول ، فمسألة استقلال الجزائر مسألة وقت فقط ، فقررت فرنسا الاستغناء عن كثير من المستعمرات ونقلت جيوشها إلى هناك ( ليس لأنها لم تُرِد الخروج من الجزائر كما توهّمنا ) بل لأنها تريد وقتا أطول لتُهيّيء للمستقبل !!
في الفترة بين 1956 و 1961 فقدت الثورة كثيرا من أبطالها ومفجريها من العباقرة الملهمين وأكثرهم طريقة استشهادهم كانت غامضة !! وأكثر هؤلاء الأبطال كانوا محلّ إجماع في مناطقهم فكان استشهادهم سببًا في انقسام داخلي عميق واختلال في الصفوف !!
في هذه الفترة كانت فرنسا تُعدّ ذلك الجيل من الجزائريين الفرونكفونيين الذين درسوا في جامعاتها ، وفي نفس الوقت كانت تُعدّ ذلك الجيل من الضباط والجنود الذين كوّنهم جيشها ثم أوغلتهم ببطء وحذر في الإدارة والجيش !! ولولا تلك المدة التي لجأت إليها فرنسا لما استطاعت أن تضع هؤلاء في مفاصل الدولة الجزائرية الجديدة !!
هل فهمتم ما أقصد ؟ إنه الوقت الذي يحتاجه المُحاصر ليسترجع أنفاسه بينما هو يوهمك أنه ضعيف وأنه ( انتهى ) ..
طبعا ما حدث في الجزائر كان سنة 1954م ورأيتم النتيجة !! والأمر الأكيد أن العالم قد تغيّر وتطوّر وأن الأساليب القديمة في استرجاع الأنفاس قد تطوّرت كذلك .. !!
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire