لغم في كلمة (الجنرال المتشرد)
بقلم:محمد جربوعة
نهاية هوان وتشرّد .. هذا ما يمكن أن يستنتجه مشاهد التسجيل الأخير لوزير الدفاع السابق خالد نزار ..
لقد انتهى متشردا ، مريضا ، منبوذا ، خائنا .. ولا تفسير لذلك إلا بكون المخلوق تطارده لعنة الدم وشؤم القتل بغير حق..
الذين نظروا إلى كلمة (المنبوذ) باستهانة وتقليل من خطرها ، واهمون في نظرتهم وفي قراءتهم للكلمة .. ذلك لأن الجنرال المطارد ، لا يمثّل ظاهرة فردية ، بل هو رأس حربة عسكري في مشروع تشترك فيه جهات داخلية وأخرى خارجية .. ويستحيل أن يكون نزار في وضعه هذا حيث تصدر بحقه مذكرات توقيف ، قد أقدم على كلمته هذا دون الرجوع إلى جهات خارجية وداخلية ..
الذين ساعدوا هذا الجنرال المتشرد في كتابة كلمته ، لغّموا هذه الكلمة في عدة مواضع ، أخطرها قوله : (جراح الحرب لا تزال مفتوحة .. أنا أول الحريصين على فتح هذا النقاش وتحديد مسؤوليات الجميع فغي مأساتنا الوطنية)..
وأخطر ما ترغب فيه الجهة التي تقدّم الجنرال المتشرد واجهة لها ، هو ( جرّ الجزائريين إلى فخّ فتح ملف المأساة الوطنية في التسعينيات) ..
لماذا ؟
تقوم المعارك عادة على ( العنوان) أو (الصورة) .. وفي أزمة الجزائر اليوم ، كل جهة تحاول إعطاء صورة للداخل والخارج .. ولا شك أن الجيش وأغلبية الجزائريين ، يعملون اليوم على تسويق صورة ( أن ما يحدث هو إرادة وطنية يشترك فيها الجيش والشعب ، لتطهير البلاد من المفسدين ) .. ولا شك أنّ مشروع ( محاربة الفساد) مشروع له شرعيته عالميا ، وهو نظريا محميّ من طرف ( المجتمع الدولي) و( قوانين الشرعية الدولية) ، ولا تستطيع أي دولة التدخل في صالح المفسدين ..
لكن ..لو نجح الفرنكوبربريست في إقناع العالم بصورة أخرى ، وهو أن ( ما يحدث هو انقلاب عسكري) ، فهنا سيتغير السلوك الدولي مما يحدث ، لأن الحكم العسكري مرفوض في الغرب المروّج لديمقراطية .. وسيحدث التدخل والتدويل والضغط ..كما حدث في السودان ..
وهذا طبعا ، ما جعل الجيش في الجزائر يصرّ على ( الشرعية الدستورية) .. ليبقي الأزمة في إطارها الوطني ولا يعطي أي ذريعة لتدويل أو التدخل الخارجي .
ولحد الآن ، فعنوان المعركة راجح لصالح الجيش ، والوطن عموما ، رغم أن المشروع المضاد ، استطاع تحقيق اختراقات محدودة باتجاه تغيير الصورة والعنوان ..
الجنرال المنبوذ والذين يقفون خلفه ، يريدون تحويل العنوان ، من ( محاربة الفساد) إلى ( الصراع بين العلمانيين والإسلاميين) . لذلك فهو يريد إعادة الأمور إلى عنون التسعينيات ..
فإذا استجابت الدولة اليوم لفخ الجنرال المنبوذ ، وفتحت ملف التسعينيات ، فإنّ وضعية خالد نزار ورفاقه ، ستتحول من محاسبتهم بسبب (الفساد والمساس بالأمن العام) إلى محاسبتهم بسبب ( ما اقترفوه في حق الإسلاميين) .. كما أنّ نزار سينتقل في الصورة من ( جنرال متقاعد متهم بالفساد والتآمر) إلى ( وزير دفاع وقف في وجه الإرهاب الإسلامي) ..وهو ما يعطيه قوة عند الغرب والمجتمع الدولي ، تماما كما كان ذلك للسيسي في مصر ضد الإسلاميين ..
خالد نزار وجماعته يريدون تغيير الصورة ، وحشْر قيادة الجيش في الخانة الضيقة للإسلاموية ، باتهامها بكونها متواطئة مع الإسلاميين اليوم ، وترغب في الانتقام لهم مما حدث لهم في التسعينيات ...وبالتالي إيصال رسالة إلى الغرب ، بأن كل ما يحدث اليوم ضد الجنرال توفيق وطرطاق ونزار وغيرهم من داعمي انقلاب التسعينيات من الفرنكوبربريست ، هو مجرد انتقام أيديولوجي بسبب التسعينيات ، لا علاقة له بالفساد وغيره ..
سنلاحظ هنا ، أن نزار وصف في كلمته قيادة الجيش ، بـ (الكهنة) المستندين في مشروعهم إلى ( العصبية) ..
الذي يعيد قراءة كلمة الجنرال المطارد على ضوء هذه الإضاءة، سيدرك أنّ النقطة الأساسية التي أراد تحقيقها ، هي أنّ الصراع اليوم هو امتداد لصراع التسعينيات ، وأن هناك خطرا عسكريا قائما من طرف أوروبا ، فرنسا تحديدا ، إذا انحرف الجيش عن عقيدته المرضية لغرب ، وتحول إلى جيش ( كهنة) داعم لمرجعية معينة ..
الإسلاميون والبسطاء من الجزائريين الذين ينادون اليوم بفتح ملف التسعينيات ، لا يفعلون أكثر من إعطاء الجنرال الهارب فرصة للنجاة ولتغيير مسار الصراع ..
وبرأيي ، فإن أهمّ ما سيعمل نزار في هذه الفترة على إيصاله للغرب ، هو أنّ هناك تسللا لقوى أيديولوجية معادية إلى قيادة الجيش ، وهو ما يشكل خطرا على أوروبا مستقبلا ..
لذلك أرى أنْ :
1- يخفّف الأصاليون من الخطاب الذي يصبغون فيه ما يحدث بكونه صراعا أيديولوجيا ، وليكن التركيز على أنه لا غطاء أيديولوجيا للمعركة (الوطنية) .. وسنرى في مستقبل الأيام أن الجيش سيحاول التخفف من عباءة ( الباديسية) والتركيز على العباءة (النوفمبرية) لئلا يعطي ذريعة لصف الجنرال المنبوذ للتقوي..
2- ينتهيَ الحديث عن أدلجة مشروع الجيش وجعله تنفيذا لمشروع تيار معيّن ، وأنّ الذي بدأه هم ثمانية جنرالات ، اندسوا وتوسعوا ، و....لأن كل هذا الكلام يقوّي نظرية الغرب ، في أنّ ما يقوم به الجيش اليوم هو استئصال أيديولوجي انتقامي ضد جهة معينة.
3- لا بد من رجوع الإسلاميين خطوة إلى الخلف إعلاميا .. لأن الظهور المكثف لجبهة الإسلامية خاصة ، في بعض المسيرات ، وشعارات (الدولة الإسلامية) وظهور بعض رموزها في ندوات حوارية لأحزاب السياسية ، كل ذلك مما يصبّ في صالح خالد نزار ، بل إن الجنرال المنبوذ سيستعمل حتى صور مسيرات أبناء الحراش ، وحضور بعض رموز الإنقاذ بعض جلسات الحوار ، وكذا إعطاء رئاسة البرلمان لسليمان شنين ، لإقناع الغرب أن قيادة الجيش اليوم تعمل على إعادة الإسلاميين إلى المشهد.. ومن شأن هذه الصورة إن وصلت إلى الغرب ، سياسيا وإعلاميا ، أن تؤثر كثيرا على اتجاه الأمور .. خاصة ونحن نتجه إلى الدخول الاجتماعي الذي سيبدأ فيه تنفيذ الطبعة الثانية من مشروع الدولة العميقة ..
ولعل قراءتنا الاستباقية لكل هذا ، هي التي جعلتنا نخرج من شعار ( الباديسية النوفمبرية) إلى (العقبية) .. وعدم تحميل مؤسسة الجيش مسؤولية خطابنا ، بترك مسافة بيننا وبين الجيش ، رغم دعمنا المستمر والواعي لتوجهه ، خاصة في هذه الظروف التي يحتاج فيها الجيش إلى كتلة شعبية ، تحمل عنه مسؤولية الأيديولوجيا ، وتتبنى الضغط الشعبي لصالح الهوية ، فيكون الجيش مستجيبا لضغطها في ما يقوم به تجاه الحفاظ على الهوية والمقدسات ، لا مبادرا بنفسه لذلك ..
ملاحظة :
الذين لا يستوعبون هذا الكلام ، ويعلقون تعليقات لا تثري الموضوع في صلبه .. يتم حذفهم .. لأن المشكلة أن تقضي ساعة في كتابة فكرة ..ثم يأتي من يعلق لك قائلا ( جنرال خائن و....)..وهو ما يعني أن الشخص لم يفهم الموضوع ..
بقلم:محمد جربوعة
نهاية هوان وتشرّد .. هذا ما يمكن أن يستنتجه مشاهد التسجيل الأخير لوزير الدفاع السابق خالد نزار ..
لقد انتهى متشردا ، مريضا ، منبوذا ، خائنا .. ولا تفسير لذلك إلا بكون المخلوق تطارده لعنة الدم وشؤم القتل بغير حق..
الذين نظروا إلى كلمة (المنبوذ) باستهانة وتقليل من خطرها ، واهمون في نظرتهم وفي قراءتهم للكلمة .. ذلك لأن الجنرال المطارد ، لا يمثّل ظاهرة فردية ، بل هو رأس حربة عسكري في مشروع تشترك فيه جهات داخلية وأخرى خارجية .. ويستحيل أن يكون نزار في وضعه هذا حيث تصدر بحقه مذكرات توقيف ، قد أقدم على كلمته هذا دون الرجوع إلى جهات خارجية وداخلية ..
الذين ساعدوا هذا الجنرال المتشرد في كتابة كلمته ، لغّموا هذه الكلمة في عدة مواضع ، أخطرها قوله : (جراح الحرب لا تزال مفتوحة .. أنا أول الحريصين على فتح هذا النقاش وتحديد مسؤوليات الجميع فغي مأساتنا الوطنية)..
وأخطر ما ترغب فيه الجهة التي تقدّم الجنرال المتشرد واجهة لها ، هو ( جرّ الجزائريين إلى فخّ فتح ملف المأساة الوطنية في التسعينيات) ..
لماذا ؟
تقوم المعارك عادة على ( العنوان) أو (الصورة) .. وفي أزمة الجزائر اليوم ، كل جهة تحاول إعطاء صورة للداخل والخارج .. ولا شك أن الجيش وأغلبية الجزائريين ، يعملون اليوم على تسويق صورة ( أن ما يحدث هو إرادة وطنية يشترك فيها الجيش والشعب ، لتطهير البلاد من المفسدين ) .. ولا شك أنّ مشروع ( محاربة الفساد) مشروع له شرعيته عالميا ، وهو نظريا محميّ من طرف ( المجتمع الدولي) و( قوانين الشرعية الدولية) ، ولا تستطيع أي دولة التدخل في صالح المفسدين ..
لكن ..لو نجح الفرنكوبربريست في إقناع العالم بصورة أخرى ، وهو أن ( ما يحدث هو انقلاب عسكري) ، فهنا سيتغير السلوك الدولي مما يحدث ، لأن الحكم العسكري مرفوض في الغرب المروّج لديمقراطية .. وسيحدث التدخل والتدويل والضغط ..كما حدث في السودان ..
وهذا طبعا ، ما جعل الجيش في الجزائر يصرّ على ( الشرعية الدستورية) .. ليبقي الأزمة في إطارها الوطني ولا يعطي أي ذريعة لتدويل أو التدخل الخارجي .
ولحد الآن ، فعنوان المعركة راجح لصالح الجيش ، والوطن عموما ، رغم أن المشروع المضاد ، استطاع تحقيق اختراقات محدودة باتجاه تغيير الصورة والعنوان ..
الجنرال المنبوذ والذين يقفون خلفه ، يريدون تحويل العنوان ، من ( محاربة الفساد) إلى ( الصراع بين العلمانيين والإسلاميين) . لذلك فهو يريد إعادة الأمور إلى عنون التسعينيات ..
فإذا استجابت الدولة اليوم لفخ الجنرال المنبوذ ، وفتحت ملف التسعينيات ، فإنّ وضعية خالد نزار ورفاقه ، ستتحول من محاسبتهم بسبب (الفساد والمساس بالأمن العام) إلى محاسبتهم بسبب ( ما اقترفوه في حق الإسلاميين) .. كما أنّ نزار سينتقل في الصورة من ( جنرال متقاعد متهم بالفساد والتآمر) إلى ( وزير دفاع وقف في وجه الإرهاب الإسلامي) ..وهو ما يعطيه قوة عند الغرب والمجتمع الدولي ، تماما كما كان ذلك للسيسي في مصر ضد الإسلاميين ..
خالد نزار وجماعته يريدون تغيير الصورة ، وحشْر قيادة الجيش في الخانة الضيقة للإسلاموية ، باتهامها بكونها متواطئة مع الإسلاميين اليوم ، وترغب في الانتقام لهم مما حدث لهم في التسعينيات ...وبالتالي إيصال رسالة إلى الغرب ، بأن كل ما يحدث اليوم ضد الجنرال توفيق وطرطاق ونزار وغيرهم من داعمي انقلاب التسعينيات من الفرنكوبربريست ، هو مجرد انتقام أيديولوجي بسبب التسعينيات ، لا علاقة له بالفساد وغيره ..
سنلاحظ هنا ، أن نزار وصف في كلمته قيادة الجيش ، بـ (الكهنة) المستندين في مشروعهم إلى ( العصبية) ..
الذي يعيد قراءة كلمة الجنرال المطارد على ضوء هذه الإضاءة، سيدرك أنّ النقطة الأساسية التي أراد تحقيقها ، هي أنّ الصراع اليوم هو امتداد لصراع التسعينيات ، وأن هناك خطرا عسكريا قائما من طرف أوروبا ، فرنسا تحديدا ، إذا انحرف الجيش عن عقيدته المرضية لغرب ، وتحول إلى جيش ( كهنة) داعم لمرجعية معينة ..
الإسلاميون والبسطاء من الجزائريين الذين ينادون اليوم بفتح ملف التسعينيات ، لا يفعلون أكثر من إعطاء الجنرال الهارب فرصة للنجاة ولتغيير مسار الصراع ..
وبرأيي ، فإن أهمّ ما سيعمل نزار في هذه الفترة على إيصاله للغرب ، هو أنّ هناك تسللا لقوى أيديولوجية معادية إلى قيادة الجيش ، وهو ما يشكل خطرا على أوروبا مستقبلا ..
لذلك أرى أنْ :
1- يخفّف الأصاليون من الخطاب الذي يصبغون فيه ما يحدث بكونه صراعا أيديولوجيا ، وليكن التركيز على أنه لا غطاء أيديولوجيا للمعركة (الوطنية) .. وسنرى في مستقبل الأيام أن الجيش سيحاول التخفف من عباءة ( الباديسية) والتركيز على العباءة (النوفمبرية) لئلا يعطي ذريعة لصف الجنرال المنبوذ للتقوي..
2- ينتهيَ الحديث عن أدلجة مشروع الجيش وجعله تنفيذا لمشروع تيار معيّن ، وأنّ الذي بدأه هم ثمانية جنرالات ، اندسوا وتوسعوا ، و....لأن كل هذا الكلام يقوّي نظرية الغرب ، في أنّ ما يقوم به الجيش اليوم هو استئصال أيديولوجي انتقامي ضد جهة معينة.
3- لا بد من رجوع الإسلاميين خطوة إلى الخلف إعلاميا .. لأن الظهور المكثف لجبهة الإسلامية خاصة ، في بعض المسيرات ، وشعارات (الدولة الإسلامية) وظهور بعض رموزها في ندوات حوارية لأحزاب السياسية ، كل ذلك مما يصبّ في صالح خالد نزار ، بل إن الجنرال المنبوذ سيستعمل حتى صور مسيرات أبناء الحراش ، وحضور بعض رموز الإنقاذ بعض جلسات الحوار ، وكذا إعطاء رئاسة البرلمان لسليمان شنين ، لإقناع الغرب أن قيادة الجيش اليوم تعمل على إعادة الإسلاميين إلى المشهد.. ومن شأن هذه الصورة إن وصلت إلى الغرب ، سياسيا وإعلاميا ، أن تؤثر كثيرا على اتجاه الأمور .. خاصة ونحن نتجه إلى الدخول الاجتماعي الذي سيبدأ فيه تنفيذ الطبعة الثانية من مشروع الدولة العميقة ..
ولعل قراءتنا الاستباقية لكل هذا ، هي التي جعلتنا نخرج من شعار ( الباديسية النوفمبرية) إلى (العقبية) .. وعدم تحميل مؤسسة الجيش مسؤولية خطابنا ، بترك مسافة بيننا وبين الجيش ، رغم دعمنا المستمر والواعي لتوجهه ، خاصة في هذه الظروف التي يحتاج فيها الجيش إلى كتلة شعبية ، تحمل عنه مسؤولية الأيديولوجيا ، وتتبنى الضغط الشعبي لصالح الهوية ، فيكون الجيش مستجيبا لضغطها في ما يقوم به تجاه الحفاظ على الهوية والمقدسات ، لا مبادرا بنفسه لذلك ..
ملاحظة :
الذين لا يستوعبون هذا الكلام ، ويعلقون تعليقات لا تثري الموضوع في صلبه .. يتم حذفهم .. لأن المشكلة أن تقضي ساعة في كتابة فكرة ..ثم يأتي من يعلق لك قائلا ( جنرال خائن و....)..وهو ما يعني أن الشخص لم يفهم الموضوع ..
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire