★ المجاهد جودي أتومي..تقرير الرائد عميروش جاء مطابقا لتقرير النقيب أعراب [5]
محمد نبّار
فقبل أن نسرد تفاصيل هذه الجزئية التي ساقها أتومي، وما جاء في تقرير الرائد عميروش بشأن الجريمة ومحتواه المؤيد - حسبه - للتقرير الذي أنجزه النقيب أعراب الذي تم تكليفه بمهمة التحقيق في الموضوع هو الآخر قبل عودة عميروش من تونس. لا بد لنا من التطرق لنقطة لا تقل أهمية عن أختها، وهي قضية وقوع "إعدام" و"مجزرة" في نفس الوقت، واحدة بـ "مشتى القصبة" (بني يلمان) وأخرى بـ"ملوزة" (أولاد جلال). حيث أكد في هذا الصدد قائلا:"..بحثا عن الانتقام، قرر الجيش الفرنسي بشن حملة عقابية على قرية "ملوزة" (أولاد جلال) القريبة، وشارك العديد من العناصر المصالية في المجازر التي ارتكبت فيها، و[قيــل] بأن القبطان "كومبيط" حثّ أهالي بني يلمان للانظمام إلى الحملة على قرية "ملوزة"، قتل حوالي أربعمائة (400) مدني ودمرت القرية عن آخرها. حينها قامت الأجهزة البسيكولوجية الفرنسية، ومعها هيئة الأركان العامة للجيش الفرنسي، بتحميل تلك المجازر على جبهة التحرير بتجنيد وسائل الاعلام بكثافة". المجاهد جودي أتومي وكغيره من بعض مجاهدي الولاية الثالثة الفاعلين أنذاك يجهلون جغرافية المنطقة كثيرا، لهذا تجدهم لا يقدرون القضية جيدا ولا يعطوها حقها من البحث والتحليل والدراسة المفضية بعيدا عن الذاتية التي لا بد من التجرد منها.
فمثلا من سقطات "أتومي" في الموضوع أنه قال أن مجازر ملوزة (أولاد جلال) وقعت يوم 2 جوان 1957، فأول الأمور نجده يرتبك كثيرا في تحديد عدد ضحاياها، فتارة يذكر عددهم (300) ضحية، ومرة أخرى أكد أنهم حوالي (400)، وأخرها كان في تسجيل له عندما قال أنهم (80) ضحية. وبخصوص منفذيها ذكر أنهم جنود فرنسيون بمعية جنود "بلونيس" المقدر عددهم - حسبه - بـثلاثة آلاف (3000) رجل، دون تعداد مئات المصاليين القادمين من فرنسا لمؤازرتهم. أما من أهالي بني يلمان فقال أنهم 1500 شخص، حيث قال:"ركز 'جاكان' على النزاعات المصطنعة 'بين القبائل والعرب'، وبرر العداء القائم بين جبهة التحرير والمصاليين وأنصار القائد زيان. وأكثر من ذلك قال (أي جاكان) بأن 1500 من الخارجين عن القانون انضموا إليه (أي لبلونيس)، بينما هم في الحقيقة مصاليون من منطقة بني يلمان أتوا من فرنسا للثأر لأقاربهم الذين أعدموا على يد جيش التحرير". غير أن الحقائق تنسف رواية أتومي بخصوص هذا، حيث أن عدد رجال بني يلمان الذين كانوا عمالا بالمهجر (فرنسا) هو 168 لا أكثر، تم تجنيدهم بطريقة مؤامراتية خبيثة بعد إبادة قرية بأكملها من الرجال، وقد استقدموا إلى أرض الجزائر أواخر شهر جوان 1957. كما أن أجهزة المخابرات الفرنسية وهيئة الأركان العامة للجيش الفرنسي، والوالي العام "روبار لاكوست" والحكومة الفرنسية، قامت بالتشهير بجبهة التحرير الوطني بهدف تشويه صورتها وصورة القادة من خلال تجنيدها لأرمادة إعلامية عالمية وفرنسية بنشرها لصور ضحايا وجثث مشتى قصبة بني يلمان الفضيعة، حتى أنها استعانت بالتلفزيونات الأمريكية لتنقل ذلك إلى الرأي العام العالمي. وربما الصور المنتقاة من مسرح الجريمة - الذي أطلقت عليه نفس الأجهزة ملوزة - أبلغ من كل رد، لأنه إذا زوّر التاريخ فإن الجغرافية ستفند ذلك مهما حاولوا تعتيم الحقائق ونسبها لغير أهلها.
وبالنسبة للجزئية الأخرى، فيقول "أتومي" أن "عميروش" بعد عودته من تونس وجد أحداث بني يلمان ومجازر ملوزة راسخة في أذهان المجاهدين والأهالي، كان جد مستاء من هذا الخطأ الفادح الذي ارتكبه مسؤولوا منطقة المسيلة. وقد "قرر العقيد سي ناصر تكليف عميروش بالتحقيق في قضية بني يلمان. بعد مرور عشرة(10) أيام، سلّم له نتائج التحقيق التي جاءت مؤيدة لموقف النقيب أوداك أعراب". والسؤال: ما الذي جاء في تقرير هذا الأخير الذي أيده الرائد عميروش فيما بعد؟ الإجابة عن هذا السؤال موجودة بين طيات كتابه "العقيد عميروش أمام مفترق طرق"، وفي الرسالة التي نشرها عبر صفحاته للعقيد محمدي السعيد(الرسالة بعث بها محمدي إلى وزير المجاهدين محمد جغابة يوم 09 جوان 1984)، جاء فيها أنه: طلب من النقيب أعراب رئيس المنطقة في ذلك الحين (أين بعد اطلاعه عن أحداث مجزرة بني يلمان)، أن يذهب إلى عين المكان لإخبارنا بحقيقة ما حدث، وعند عودته أخبرنا بمايلي: عبد القادر الباريكي هو وحده المسؤول عن هذه العملية التي قام بها دون استشارة أيّ مسؤول فهو وحده الذي يتحمل المسؤولية. وفي نفس الرسالة قال (محمدي) أن لجنة التنسيق والتنفيذ طلبت من قيادة الولاية الثالثة تحقيقا في الموضوع، فكلف بذلك الرائد عميروش - المسؤول العسكري بمجلس الولاية - فجاء تقريره مؤكدا لرواية النقيب أعراب.
والحقيقة هي أن عميروش لم ينجز المهمة بنفسه التي أوكلت إليه - كما ادعى أتومي - بل كلّف بعض ضباط الولاية منهم "أحمد فضال" (الرائد حميمي)، ومحند أولحاج بذلك، وقد أكد "حميمي" في شهادة له أنه استلم رسالة موقعة من النقيب أعراب "أكد له فيها مسؤوليته ("هو": أي أعراب) عن العملية التي تمت بأمره وتحت إشرافه". ويضيف "حميمي" أن: الثورة كانت قد تحصلت على الأدلة التي تدين فرنسا في حالة قدم لجنة التحقيقة (طلب محمد يزيد من هيئة المتحدة بأن ترسل وفدا محايدا للتحقيق في مذبحة بني يلمان)، والمتمثلة في قنابل النبالم، التي ألقتها في ملوزة (بني يلمان)، وكذلك القذائف من عيار 7/12، وهي قذائف طائرات من طراز 26، ولا يمكن لجيش التحرير الوطني استغلتها، لأن سلاح الطيران كان في يد فرنسا فقط". وهو ما أكده النقيب الفرنسي غامبيط في محضر قاضي التحقيق العسكري من أن الطائرات الفرنسية التي حامت في سماء المنطقة أبلغت القوات البرية بوجود حريق بمشتى القصبة على الساعة العاشرة(10:00) صباحا. والجدير بالتنبيه الطائرات كانت قد قصفت يوم المجزرة 28 ماي مشتى تاڨوست، وعلى إثر ذلك قتلت "إمرأة" والحيوانات التي كانت ترعى في الحقول حول مشتى القصبة، أما النقيب الفرنسي غامبيط فوصل قبل وقوع الجريمة إلى مشتى الشهباء على الساعة (17:30) مساءا، الذي يبعد عن مسرح الجريمة بـ 3 كلم تقريبا.
وقبل أن أختم كلامي أطرح السؤال المعتاد لماذا تملص النقيب أعراب من مسؤولية ما حدث ببني يلمان ووجه تهمة ذلك للملازم الباريكي في تقريره الذي سلمه لقائد الولاية!؟ ولماذا تؤكد الشهادات أن تقرير عميروش جاءا مطابقا لتقرير أعراب الذي يتهم فيه الباريكي في حين أن "حميمي" يذكر أن "أعراب" أكد له أنه هو المسؤول عن العملية التي تمت بأمره وتحت إشرافه!!؟
صور المجزرة
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق