قرار الإبادة
في نهاية أكتوبر 1956 إنطلق كل من عميروش وحارسه الشخصي عبد الحميد مهدي وكاتبه الشخصي حسين بن معلم، وعبد القادر عزيل (الباريكي) وصالح نزار اللذين كانا معاقبين بالولاية الأولى، من جبل "شيليا"، بعدما أُعلن عبر المذياع نبأ "استشهاد" قائد الولاية الثالثة العقيد محمدي السعيد..
وفي النصف الثاني من شهر نوفمبر 1956* اجتاز عميروش ومن معه حدود الولاية الثالثة قادمين من الولاية الأولى، وفي أثناء فترة السير ظلّوا الطريق بسبب أن دليلهم لم يُقدر المسافات جيدا، ليجدوا أنفسهم وسط مزرعة، ولطيلة اليوم بقى الجميع فيها، ومساءا اتجهوا صوب ملوزة (أولاد جلال)** أين كان في استقبالهم سي ناصر (بوثريدي حارث) ابن قلعة بني عباس، وهناك إجتمع عميروش بمسؤولي الجبهة***، بعد يومين واصل عميروش والبقية سيرهم إلى غابة "موقة"، ثم بوحمزة (صدوق - بجاية)، ثم التوجه إلى مقر قيادة بأكفادو (أنظر الصورة الأولى).
كل ما سبق ذكره هنا هو مجرد مقدمة لما سنناقشه الآن، ونطرحه من أسئلة، فمن الثابت أن الباريكي - الذي كان برفقة عميروش - حلّ بملوزة (أولاد جلال) وتعرّف فيها على سي ناصر الذي سيسقط في معركة غير متكافئة هو ومساعدوه (سي البشير وسي أرزقي..) بعد ثلاثة أشهر (فيفري 1957) من اللقاء على إثر قصف الطيران الفرنسي لمنطقة "الصيعان" بسبب وشاية (م/ع)، ومعلوم بالضرورة أن الباريكي الذي انتقل من ملوزة (أولاد جلال) إلى مقر القيادة "أكفادو" عبر طريق مسالكها صعبة وجبالها شاهقة وأوديتها سحيقة، بحيث إستلزمت منهم مدة السير مشيا على الأقدام - يومين على الأقل ذهابا فقط - دون توقف.
في ليلة ال28 ماي 1957 بعد غروب الشمس (لا نعلم التوقيت بالضبط) اجتمع النقيب أعراب قائد المنطقة الثانية والملازم الباريكي وقادة من الجبهة ومدنيين بالعشيشات، التي حلّ بها الباريكي رفقة عميروش قبل ستة أشهر، وفي هذا الاجتماع طالب من النقيب أعراب والحضور بأن ينفذ عملية الإعدام تلك بقرار مكتوب وممضى من طرف قائد الولاية الثالثة العقيد محمدي السعيد يؤتى به من مقر الولاية (أكفادو)، وهو ما تم فعلا، حيث تم تلاوته بلغة عربية (!!!) على مسامعه من قِبل معلم القرآن (ن/ع)، وعلى السادسة صباحا تم محاصرة دوار بني يلمان من جميع جهاته، لينفذ الباريكي جريمته تحت أنظار الطيران الفرنسي الذي لم يطلق عيارا ناريا واحدا عليه ولا على الجنود ومن معهم من المدنيين وكذلك بحراسة القوات البرية بقيادة النقيب الفرنسي غامبيط التي اكتفت بالتفرج..
فكيف اقتنع الباريكي بذلك القرار، أو بالأحرى كيف أقنعوه، الذي جيئ به في أقل من 10 ساعات، خاصة وأن المسافة بين ملوزة (أولاد جلال) ومقر الولاية (أكفادو) بعيدة جدا، ذهابا وإيابا، وهو يدرك ذلك تماما المدة التي سيستغرقها المبعوث!؟
____________
* ذكر الباريكي في تقريره - النقطة الأولى منه - مايلي:"عند وصولنا هنا في شهر مارس 1956، قدمنا لأول مرة بأنفسنا لدوار بني يلمان..".
عبد القادر عزيل كان إلى وقت قريب، قبل انعقاد مؤتمر الصومام (20 أوت 1956) متواجد بالولاية الأولى!!
** تحديدا "العشيشات" (أنظر الصور أسفله).
*** أكيد أن عميروش أخذ نظرة عامة عن الجهة من لسان سي ناصر، خاصة وأن المنطقة شهدت دخول بلونيس ما بين نهاية أفريل ونداية ماي 1956، ووقوع معركة بوخدي ببني يلمان، وتدمير المدرسة بملوزة (أولاد جلال) وحرق بريد أولاد عبد الله (سيدي هجرس)، وكلها أحداث وقعت شهر ماي 1956.
------------------------
بقلم الباحث: محمد نبار
الصور المرفقة في المقال:
في نهاية أكتوبر 1956 إنطلق كل من عميروش وحارسه الشخصي عبد الحميد مهدي وكاتبه الشخصي حسين بن معلم، وعبد القادر عزيل (الباريكي) وصالح نزار اللذين كانا معاقبين بالولاية الأولى، من جبل "شيليا"، بعدما أُعلن عبر المذياع نبأ "استشهاد" قائد الولاية الثالثة العقيد محمدي السعيد..
وفي النصف الثاني من شهر نوفمبر 1956* اجتاز عميروش ومن معه حدود الولاية الثالثة قادمين من الولاية الأولى، وفي أثناء فترة السير ظلّوا الطريق بسبب أن دليلهم لم يُقدر المسافات جيدا، ليجدوا أنفسهم وسط مزرعة، ولطيلة اليوم بقى الجميع فيها، ومساءا اتجهوا صوب ملوزة (أولاد جلال)** أين كان في استقبالهم سي ناصر (بوثريدي حارث) ابن قلعة بني عباس، وهناك إجتمع عميروش بمسؤولي الجبهة***، بعد يومين واصل عميروش والبقية سيرهم إلى غابة "موقة"، ثم بوحمزة (صدوق - بجاية)، ثم التوجه إلى مقر قيادة بأكفادو (أنظر الصورة الأولى).
كل ما سبق ذكره هنا هو مجرد مقدمة لما سنناقشه الآن، ونطرحه من أسئلة، فمن الثابت أن الباريكي - الذي كان برفقة عميروش - حلّ بملوزة (أولاد جلال) وتعرّف فيها على سي ناصر الذي سيسقط في معركة غير متكافئة هو ومساعدوه (سي البشير وسي أرزقي..) بعد ثلاثة أشهر (فيفري 1957) من اللقاء على إثر قصف الطيران الفرنسي لمنطقة "الصيعان" بسبب وشاية (م/ع)، ومعلوم بالضرورة أن الباريكي الذي انتقل من ملوزة (أولاد جلال) إلى مقر القيادة "أكفادو" عبر طريق مسالكها صعبة وجبالها شاهقة وأوديتها سحيقة، بحيث إستلزمت منهم مدة السير مشيا على الأقدام - يومين على الأقل ذهابا فقط - دون توقف.
في ليلة ال28 ماي 1957 بعد غروب الشمس (لا نعلم التوقيت بالضبط) اجتمع النقيب أعراب قائد المنطقة الثانية والملازم الباريكي وقادة من الجبهة ومدنيين بالعشيشات، التي حلّ بها الباريكي رفقة عميروش قبل ستة أشهر، وفي هذا الاجتماع طالب من النقيب أعراب والحضور بأن ينفذ عملية الإعدام تلك بقرار مكتوب وممضى من طرف قائد الولاية الثالثة العقيد محمدي السعيد يؤتى به من مقر الولاية (أكفادو)، وهو ما تم فعلا، حيث تم تلاوته بلغة عربية (!!!) على مسامعه من قِبل معلم القرآن (ن/ع)، وعلى السادسة صباحا تم محاصرة دوار بني يلمان من جميع جهاته، لينفذ الباريكي جريمته تحت أنظار الطيران الفرنسي الذي لم يطلق عيارا ناريا واحدا عليه ولا على الجنود ومن معهم من المدنيين وكذلك بحراسة القوات البرية بقيادة النقيب الفرنسي غامبيط التي اكتفت بالتفرج..
فكيف اقتنع الباريكي بذلك القرار، أو بالأحرى كيف أقنعوه، الذي جيئ به في أقل من 10 ساعات، خاصة وأن المسافة بين ملوزة (أولاد جلال) ومقر الولاية (أكفادو) بعيدة جدا، ذهابا وإيابا، وهو يدرك ذلك تماما المدة التي سيستغرقها المبعوث!؟
____________
* ذكر الباريكي في تقريره - النقطة الأولى منه - مايلي:"عند وصولنا هنا في شهر مارس 1956، قدمنا لأول مرة بأنفسنا لدوار بني يلمان..".
عبد القادر عزيل كان إلى وقت قريب، قبل انعقاد مؤتمر الصومام (20 أوت 1956) متواجد بالولاية الأولى!!
** تحديدا "العشيشات" (أنظر الصور أسفله).
*** أكيد أن عميروش أخذ نظرة عامة عن الجهة من لسان سي ناصر، خاصة وأن المنطقة شهدت دخول بلونيس ما بين نهاية أفريل ونداية ماي 1956، ووقوع معركة بوخدي ببني يلمان، وتدمير المدرسة بملوزة (أولاد جلال) وحرق بريد أولاد عبد الله (سيدي هجرس)، وكلها أحداث وقعت شهر ماي 1956.
------------------------
بقلم الباحث: محمد نبار
الصور المرفقة في المقال:
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق