*- حقيقة قضية بني يلمان المعروفة بحادثة
"ملوزة"..الجزء الثاني(2).
- إندلاع ثورة التحرير الكبرى..
في ليلة 1 نوفمير 1954 اندلعت الثورة المسلحة
التحريرية على يد "جبهة التحرير الوطني" التي أسسها مجموعة من الشباب، كانوا
قد تربوا على يد مصالي الحاج، حيث انضم الكثير منهم بالثورة معتقدين أن مفجرها وقائدها
هو مصالي. وهذا أمر طبيعي أن تنصرف الأذهان إلى أن قيادة الحزب ممثلة في شخص هذا الأخير
هي من كان وراء قرار تفجيرها. خاصة وأن الرجل وأتباعه كانوا من دعاة العمل المسلح،
ففي المؤتمر الذي عقد ببلجيكا (هورنو) في شهر جويلية 1954، تم تأسيس "مجلس وطني
للثورة" تابع للحزب، أوكلت له مهمة خلق ظروف مادية ومعنوية من أجل إشعال فتيل
الثورة المسلحة في بداية شهر جانفي 1955. هناك رواية أخرى مفادها أنه تمّ تحديد يوم
15 نوفمبر 1955.
ونلمس ذلك من خلال ما صرّح به مولاي مرباح عندما
قال:"بمجرد إندلاع الثورة نُقل مصالي إلى منفى جديد "لي صابلو دولون"،
وفي 4 نوفمبر 1954 أرسل من هناك إلى أنصاره بفرنسا والجزائر التعليمات التالية: لا
تسألوا عمن يقف وراء الثورة، حاولوا أن تسيطروا على الحركة". وبحسب المسؤول العسكري
للحركة "الجديدة" مصطفى بن محمد فإنه فعلا تم الاستعداد للحاق بالثورة ما
دامت قد اندلعت.
كما قام مصالي في الأسبوع الأول من الثورة بإرسال
مبلغ مالي معتبر إلى كريم بلقاسم. موصيا هذا الأخير:"..قل لإصدقائنا في الجزائر
يوجد خلاف بيننا، هذه الخلافات خطيرة ولكن اليوم بدأت الثورة يجب علينا مهما كان عمق
الخلافات أن نساعد الثورة ونوحد صفوفنا..".
بعد عدّة أشهر من الثورة أخذت الصفوف تتمايز
واتضح أن مصالي الحاج له تنظيم أطلق عليه "الحركة الوطنية الجزائرية" (MNA)، بينما التنظيم الذي قام بتفجير الثورة يطلق عليه "جبهة التحرير
الوطني" (FLN). حيث اصطدما في كثير من المرات وبدأ الأخ يقتل
أخاه في المهجر والمدن والجبال. وقد ذكر الدكتور محمد عباس أنه منذ البداية كانت MNA
و FLN واعيتين بمخاطر دخول مرحلة
التحرير الوطني بتنظيمين متنافسين، وهو ما يتيح فرصة للعدو لاستغلال كل هوة وثغرة باختراق
الصفوف ومحاولة ضرب هذا بذاك. لذا كانت الرغبة في الاتصال بين الطرفين حقيقية وكبيرة،
كما تدل على ذلك المحاولات الأولى سواء بالجزائر أو فرنسا والقاهرة.
وبالنسبة لمنطقة القبائل -التي وقعت بها مجزرة
بني يلمان الشنيعة- فإن الصراع المسلح بين MNA
وFLN بلغ أوجه، ومعلوم أن ممثلي
القبائل لم يحضروا الاجتماعات التي عقدتها "اللجنة الثورية للوحدة والعمل"
لأن كريم بلقاسم كان من مؤيدي مصالي الحاج، وهو ما أكده محمد بوضياف عندما قال في كتابه
"التحضيرات لأول نوفمبر 1954": "باختصار لقد اتضح بأن منطقة بلاد القبائل
قد انحازت إلى مصالي إلى حد شهر ماي"، وأضاف:"ومع ذلك، ونظرا إلى أهمية هذا
الجزء من التراب الوطني، سواء من وجهة نظر المناضلين الفضلاء الذين يحتوي عليهم، أو
الوضعية الجغرافية، لم يكن في وسعنا أن نتركه خارجا عن الحركة، لذلك قمنا بعدّة محاولات
لاقامة الإتصال..". وقد ذكر مولاي مرباح أنه عندما كانت التحضيرات للثورة، كان
كريم على صلة بنا، ويضيف مولاي:"وقد أخبرنا بعض المناضلين أنه يعتزم (أي كريم)
تثوير منطقة القبائل بدون أمر الحزب، وبناءا على ذلك استدعيناه، فلم يستجب، لكن بعد
ضغط من المناضلين جاء إلى مقر الحزب، فأفهمناه أن الثورة على مستوى منطقة واحدة مآلها
الفشل. فزعم أن ما سمعناه عنه من بعض المناضلين هو مجرد إختلاق ! وقد بلغنا بعد اندلاع
الثورة في فاتح نوفمبر 1954، أن كريم وأعمران قالا لبعض المناضلين: ثوروا معنا ! وإن
الأمر بالثورة صادر عن مولاي مرباح".
ويذكر المجاهد "باسطا أرزقي" في مذكراته
قائلا:"إن ما يجهله الكثير من المهتمين بتاريخ تلك الحقبة (فترة ما قبل إندلاع
الثورة) أن السيد المناضل كريم بلقاسم هو الذي أخبر (عقب إنضمام منطقة القبائل إلى
اللجنة الثورية للوحدة والعمل) السيد محمد بوضياف بفحوى الاستعدادات التي تمّت وهدف
كلا الطرفين (الحركتين)، ما انجرّ عنه إلى إعلان الثورة. لقد بقي كريم بلقاسم على إتصال
بكلا الفريقين إلى غاية إعلان الثورة، مستعدا ومقررا اتباع أي فريق يعلن الثورة أولا،
هذه هي الحقيقة التاريخية لما جرى والأسباب التي أدت إلى الاسراع لانطلاق الثورة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق